وأما أعياد المؤمنين في الجنة فهي أيام زيارتهم لربهم عز وجل، فيزورونه ويكرمهم غاية الكرامة، ويتجلى لهم فينظرون إليه، فما أعطاهم شيئًا هو أحب إليهم من ذلك، وهو الزيادة التي قال الله تعالى فيها: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} يونس: 26، ليس للمحب عيد سوى قرب محبوبه.
إن يومًا جامعًا شملي بهم *** ذاك عيد ليس لي عيد سواه
كل يوم كان للمسلمين عيدًا في الدنيا، فإنه عيد لهم في الجنة يجتمعون فيه على زيارة ربهم، ويتجلى لهم فيه، ويوم الجمعة يدعى في الجنة يوم المزيد، ويوم الفطر والأضحى يجتمع أهل الجنة فيهما للزيارة، وروي أنه يشارك النساء الرجال فيهما كما كن يشهدن العيدين مع الرجال دون الجمعة، فهذا لعموم أهل الجنة. فأما خواصهم فكل يوم لهم عيد يزورون ربهم كل يوم مرتين بكرة وعشيا.
الخواص كانت أيام الدنيا كلها لهم أعيادًا، فصارت أيامهم في الآخرة كلها أعيادًا.
أركان الإسلام التي بني الإسلام عليها خمسة: الشهادتان والصلاة والزكاة وصيام رمضان والحج، فأعياد عموم المسلمين في الدنيا عند إكمال دور الصلاة وإكمال الصيام، والحج يجتمعون عند ذلك اجتماعًا عامًّا.
فأما الزكاة فليس لها وقت معين ليتخذ عيدا، بل كل من ملك نصابًا فَحَوْلُه بحسب مُلْكِه.
وأما الشهادتان: فإكمالهما يحصل بتحقيقهما والقيام بحقوقهما، وخواص المؤمنين يجتهدون على ذلك في كل وقت؛ فلذلك كانت أوقاتهم كلها أعيادًا لهم في الدنيا والآخرة، كما أنشد الشبلي:
عيدي مقيم وعيد الناس منصرف***والقلب مني عن اللذات منحرف
ولي قرينان ما لي منهما خلف***طول الحنين وعين دمعها يكف