بل أن التحدي ظهر فيما يحرص غير المؤمنين على إخفائه.. فالإنسان حين يحرص على إخفاء شئ.. و يكون غير مؤمن.. يأتي إليك فيحلف لك بأن هذا صحيح.. و هو غير صحيح في نفسه فقط.. و لكن حرصه على أن يخفيه على الناس يجعله يؤكد إنه صحيح بالحلف..
و يأتي الله سبحانه و تعالى فيجعل القرآن يمزق نفوس هؤلاء الناس.. و يظهر ما فيها امعانا في التحدي و يقول الله سبحانه و تعالى:
(وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (42)) سورة التوبة.
و يقول سبحانه و تعالى:
(يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (96)) سورة التوبة.
و يقول سبحانه و تعالى:
(وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (14)) سورة المجادلة
و يقول الله سبحانه و تعالى امعانا في كشفه ما في نفوس أولئك الذين يكذبون بهذا الدين ..
(وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) [محمد:30]
و هكذا يأتي الله سبحانه و تعالى ليقول للنبي عن المنافقين .. إنك تعرفهم في لحن القول.. أي أنهم يلحنون و يلوون ألسنتهم بالقرآن و هذا أمر أختياري..
أي إنهم يستطيعوا أن يفعلوه و يستطيعون أن يمتنعوا عن فعله .. و الله عندما ينزل هذه الآية يكون الفعل لم يتم.. أي أنهم يفاجأون بالآية قبل أن يقوموا بما ينوون القيام به.. و من هنا يكون لهم حرية الأختيار..
و مع وجود حرية الأختيار.. فإنهم يأتون ليقوموا بما قاله الله في القرآن الكريم دون أن يستطيعوا أن يتراجعوا عن ذلك.. بل أن الله سبحانه و تعالى يدخل إلى نفوسهم ليخرج من الأسرار ما يخفونه داخل صدوروهم و لا يقولونه لأحد.. فالسر نوعان:
- سر بيني و بينك أي لا يعلمه إلا أنا و أنت كصديقين أو حليفين.
- و سر أخفيه في صدري و لا يعلم به أحد في الدنيا.. ويأتي الله سبحانه و تعالى إلى السر الذي أخفيه في صدري فيفضحه أو يعلنه.. و أنا في هذه الحالة أملك كل وسائل التكذيب.. لأنه لا أحد يعرف هذا السر غيري.. و مع ذلك أقف مبهوتا من أن القرآن الكريم قد أظهر ما في نفسي.. و ما أخفيته.. فلا أستطيع أن أكذب.. مع انني جئت لأقول الكذب.. أي أن المنافقين الذين ذكرهم الله سبحانه و تعالى جاءوا ليكذبوا.. و لكن عندما فضح الله سرهم.. بهتوا فلم تستطع ألسنتهم أن تنطق الكذب.. بل و أكثر من ذلك قال سبحانه و تعالى أنهم سيقولون كذا.. و سيفعلون كذا.. و السين هنا تدل على أن الفعل لم يتم.. و مع ذلك لم يستطع المنافقون أن يمنعوا أنفسهم من أن يقولوا ما أعلن الله سبحانه و تعالى أنهم سيقولونه.. مع أن في امتناعهم عن القول هدما لقضية الدين و الإيمان..
إذن فالقرآن هنا جاء لأناس غي مؤمنين.. و هتك حاجز النفس بالنسبة لهم فأخرج ما في صدوروهم و عراهم أمام الناس جميعا.. و فضح كذبهم.. و نشر على الدنيا كلها ما في صدوروهم من كذب و رياء و نفاق.. أي أنه اهانهم اما المجتمع كله.. و لو كان هذا صحيح لقال هؤلاء القوم إننا لم نكذب.. إننا لصادقون.. و الكلام الذي يدعي محمد إنه من عند الله غير صحيح.. و لكن هؤلاء بهتوا من أن القرآن مزق حجاب نفوسهم فلم يستطيعوا ردا.. و بهتوا لأن الله أخرج ما في نفوسهم و عراهم أمام الناس جميعا.. فلم يفعلوا شيئا أكثر من أنهم تواروا بعد أن افتضحت حقيقتهم.. و لو كان هذا قرآن من عند غير الله لما استطاع أن يصل للنفس البشرية.. و هي من أدق أسرار الدنيا التي لم يستطع علم أن يصل إليها حتى الآن.. فإذا القرآن يأتي متحديا بكلام متعبد به إلى يوم القيامة لا يستطيع أحد تبديل حرف فيه ليكشف ما في داخل النفس.. و يعري ما تكتمه عن الناس جميعا.. و ما هي حريصة على كتمانه.. حتى إنها تحلف باسم الله كذبا ليصدقها الناس.. يأتي القرآن فيمزق هذا كله أتريد اعجازا أكثر من ذلك..