إن العلم البشري يتحدد في شيئين رئيسيين.. علم مادي يخضع للتجربة البحته .. لا يدخل فيه هوى البشر.. ذلك العلم هو الذي يتناول المادة فقط.. و هو الذي يمكن أن فحص في المعمل.. و تجرى عليه التجارب.. و ليس فيه هوى النفس البشرية.. و هذا العلم هو الذي أتاحه الله للعقل البشري.. و طلب منه أن يجنهد فيه.. ووعد الله بأن يكشف آياته في الكون لآولئك الذين يعملون.. و يبحثون.. و يجرون التجارب.. و يجتهدون.. و علم آخر هو علم تدخل فيه الأهواء.. و ذلك ما لا يدخل في معمل.. و لا يمكن اجراء تجارب عليه.. و هذه العلم مثل النظريات الفلسفية.. و السياسية.. و كل شئ لا يخضع لتجربة المعمل.. هذا العلم تختلف فيه الأهواء و تتصارع.. و سيظل الصراع بينهما إلى يوم القيامة.. لأن هذه العلم لا يستند على أسس مادية وضوعية بحتة.. و إنما تدخل فيه الأهواء الشخصية..
النوع الأول من العلم صاحبه يظل يعاني حتى يصل إلى هدفه.. فإذا وصل إلى الهدف استفاد منه الناس كلهم.. فالعالم مثلا الذي يجري تجارب في معمله.. على اختراع جديد.. أو شئ جديد.. يظل يسهر ليالي طويلة حتى يصل إلى نتائج.. فإذا وصلت إلى نتائج استفادت منها البشرية كلها.. و إذا أردنا أن نضرب مثلا لذلك.. فهناك مثلا اكتشاف الكهرباء.. و اختراع الراديو و التليفزيون.. و التليفون..إلى آخر هذه الأشياء التي اقتضت بحثا من أصحابها.. فإذا وصل البحث إلى نتيجة استفادت منها البشرية كلها.
أما النوع الثاني من العلم.. فهو الذي يخضع للهوى.. فإن صاحبه هو الذي يستفيد.. و غيره يعاني ذلك.. إنه يضع العلم على هواه.. و على أساس ما يرضيه هو.. و من هنا فإن صاحب النظرية الفلسفية أو السياسية.. لا يعاني شيئا بقدر ما يعاني أولئك الذين يخضعون لها.. أو ينفذونها..