لنقرآ الآية التي يفزع إليها كل مؤمن و هي آية الكرسي يقول الله سبحانه و تعالى في هذه الآية (الله لا إله إلا هو الحي القيوم).. و معنى الحي الحي أنه دائم الحياة لا يدركه الموت.. لأنه هو الذي خلق الحياة و الموت.. و معنى القيوم أي القائم على ملكه. و هذه تحتاج إلى تفسير.. فبعض الناس يعتقد أن الله سبحانه و تعالى قد خلق هذا الكون و وضع له قوانينه.. ثم تركه يسير حسب القوانين التي وضعها الله سبحانه و تعالى.. و هي قوانين دقيقة لا تختل بالزمن و لا تتأ ثر له قوانينه و لكنه قائم عليه.. أي أن الله سبحانه و تعالى قائم على ملكه لا يتركه لحظة.
ما معنى هذا الكلام.. معناه أن الله جل جلاله في وجوده.. يعلمنا ألا نيأس أبدا.. لماذا؟ لأن الله سبحانه و تعالى وضع قوانين الكون و طلب منا أن نأخذ بالأسباب و أن نتبع هذه القوانين.. و لكن حينما نعجز أمام هذه القوانين و نأخذ بالأسباب فلا نصل إلى شئ, فهناك دائما (القيوم) القائم على ملكه الذي يمكن أن يفتح الأبواب و يحقق ما نحسبه مستحيلا أو غير ممكن.. فحينما لا تستجيب الأسباب فإن المؤمن يفزع إلى ربه.. و يصيح قائلا( يا رب) إيمانا منه بأن الله سبحانه و تعالى قائم على كونه.. ينصر الحق على الباطل.. و المظلوم على الظالم.. و من هنا حين يفزع إلى الله سبحانه و تعالى.. إنما يعلم أن الله قادر متى عجزت الأسباب.. و أنه إذا كان قد آخذ الأسباب و لم تستجب إليه فالله سبحانه و تعالى هو قائم على كونه في كل لحظة و ثانية.. يمكنه أن يبدل العسر يسرا.. و اليأس أملا و فرجا.
فهاجر رضي الله عنها تركت وليدها عند بئر زمزم و انطلقت تسعى من أجل الماء.. و لكن الأسباب لم تستجب لها.. و بعد سبعة أشواط تعبت و تسرب اليأس إلى قلبها.. فضرب و ليدها الأرض بقدمه.. و هو الضعيف الذي لا يملك من أسباب الدنيا شيئا فانفجر الماء.
و محمد عليه السلام أخذ بالأسباب في الدعوة.. و عندما خرج من مكة إلى الطائف و لقى ما لقيه من الصبية و السفهاء.. جاءت الأسباب من الله لتحدث الاسراء و المعراج تثبيتا لرسول الله.. ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه و سلم دعو أهل مكة و الوفود التي تصل إليها في الحج إلى الإسلام فيعرضون.. ثم جاء وفد من المدينة ليبايع رسول الله, و كانت بداية الهجرة و انتصار الإسلام.
و لو نظر كل منا إلى حياته لوجد أنه قد مر فيها بأوقات توقفت فيها كل الأسباب, و أحس باليأس القاتل.. و جلس يقلب المشطلة فلا يجد حلا.. ثم فجأة يأتي الحل من حيث لا يعلم و لا يدري. إذن فالله سبحانه و تعالى قائم على ملكه, تفزع إليه النفس المؤمنة في حالة اليأس فتحس بالإطمئنان و الطمأنينة.. لأن الله سبحانه و تعالى يسمع و يرى و هو قائم على ملكه لا يتركه أبدا.