لم يتوقع أحد من الصحابة أن يقتل عثمان -رضي الله عنه-، والحسن والحسين -رضي الله تعالى عنهما- ومن معهما فقد كانوا يحرسون بابه، ولكن القتلة تسوروا عليه من دار مجاورة لداره، لقد قتلوه قتلة شنيعة ترتعد منها الفرائص، ومثلوا به، وهو يتلو القرآن الكريم، وكانت تلاوة القرآن نوعًا من العبادة فضربه بعضهم بحديدة، وبعضهم ضربه بمشقص، ومنعوا عنه الماء أثناء الحصار حتى غضب علي بن أبي طالب -رضي الله تعالى عنه- وهالته قسوتهم فقال لهم: "أيها الناس إن الذي تفعلون لا يشبه أمر المؤمنين ولا أمر الكافرين، فلا تقطعوا عن هذا الرجل الماء ولا المادة، فإن الروم وفارس لتأسر فتطعم وتسقي".
لا شك أن هؤلاء القتلة مجرمون، غلاظ الأكباد، قساة القلوب. فلم يراعوا حرمة صحبته للرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- وصهره ومنزلته في الإسلام وخدماته الجليلة، وبذل الأموال الطائلة لنصرته ورفعته. ولم يخجلوا من التهجم على رجل فاضل قال عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الملائكة تستحي منه)).
إن الذي جنى على عثمان هم أقاربه الذين كان يحسن إليهم فإنهم كانوا مستشاري سوء، ولم يكن لهم رأي صائب ونظر بعيد. وكانوا مع ذلك يصرفونه حسب أغراضهم وأهوائهم لا حسب ما تقضي به مصلحة المسلمين عامة.
أقاربه قد تمكن منهم حب الذات والجشع فكان ما كان من سفك دمه وبث بذور الفتن والشقاق.
رحم الله تعالى عثمان، ودفن في ثيابه بدمائه، ونزل في قبره أبو جهم وحبيب، وشهد جنازته علي، وطلحة، وزيد بن ثابت، وكعب بن مالك وعامة من أصحابه، وكانت مدة حياته 82 سنة.
إن قتل عثمان -رضي الله عنه- على حسن سوابقه وفضله في إقامة الدين وبذله نفسه وماله في مساعدة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعد من الأمور المريعة، ولكن الثائرين طلبوا إليه أن يخلع نفسه، فأبى فحاصروه ليحملوه على ذلك فأصر على الإباء، فدخلوا عليه وهددوه بالقتل، فلم يزدد إلا إباء فاستهدف نفسه بذلك لما حدث.
يقول حسان بن ثابت مؤنبًا قتلة عثمان.
ماذا أردتم من أخي الخير باركت**يد الله في ذاك الأديم المقدد
قتلتم ولي الله في جوف داره**وجئتم بأمر جائر غير مهتد
فهلا رعيتم ذمة الله وسطكم**أوفيتم بالعهد عهد محمد
ألم يك فيكم ذا بلاء ومصدق**وأوفاكم عهدا لدى كل مشهد
فلا ظفرت أيمان قوم تظاهرت** على قتل عثمان الرشيد المسدد
وصلى الله تعالى على محمد النبي الأمي العربي وعلى آله وصحبه وأمته وسلم تسليما كثيرا.
=========================================
الموضوع: من ذكريات الإسلام في شهر ذي الحجة. بقلم الأستاذ: صلاح أحمد الطنوبي
مصدرها: مجلة الأزهر: ذو الحجة 1402هـ، سبتمبر 1982م - الجزء الثاني عشر، السنة الرابعة والخمسون.
الرئيسية 
البوابة 
أحدث الصور 
التسجيل 
دخول صحف ومجلات خليجية البوابة 2 
الإثنين ديسمبر 06, 2010 5:11 pm