كان الطابع العام لهؤلاء الذين ذكرنا : هو البحث عن الدين المستقيم ، و التطلع إلى الهداية السماوية ، و لكن ميدان التفكير الناضج في أرجاء الجزيرة العربية كان أوسع من أن يكون مقصوراً على هؤلاء.
يقول الشهرستاني : "و منهم – أي الفلاسفة – حكماء العرب ، و هم شرذمة قليلة ، لأن أكثرهم حكمهم فلتات الطبع ، و خطرات الفكر و ربما قالوا بالنبوات "
و حكماء العرب هؤلاء هم : العلماء الذين يرجع إليهم فيما يعرض من مشاكل ، و هم في الجملة : أعظم العرب حظاً في الثقافة .
و كان مثلهم في الحكمة : مثل حكماء اليونان ، لقد أثرت عنهم الحكمة القصيرة التي تركزت فيها التجربة و الحنكة ، مثل : " مقتل الرجل بين فكيه".
" من طلب شيئاً وجده و إن لم يجده يوشك أن يقع قريباً منه ".
"الحرب مأتمة".
" و إن المنبت لا أرضاً قطع و لا ظهراً أبقى ".
و إذا ما قارنا هؤلاء الحكماء بمن يماثلهم من حكماء اليونان وجدنا أنهم يتشابهون في كثير من النواحي : يقول أفلاطون :
و اجتمعوا – أي الحكماء – في دلف و أرادوا أن يقدموا لأبولون في هيكله بواكير حكمته ، فاختصوه بالآيات التي يرددها الناس الآن مثل :
" أعرف نفسك " و " لا تسرف " و " الصلاح عسير " فكانوا مصلحين و مشرعين ، و لم يكونوا فلاسفة بمعنى الكلمة (1) . و كذلك كان حكماء العرب.
______________________
(1) تاريخ الفلسفة اليونانية ليوسف كرم ص8 .