و قد روي عن حكماء العرب بعض الآراء التي تدل على تفكيرهم .
كان منهم عامر بن الظرب الذي يقول فيه الميداني : كان من حكماء العرب ، لا تعدل بفهمه فهماً و لا بحكمه حكماً.
و من كلامه في استدلاله على وجود الله و على تصريقه للكون : " إني ما رأيت شيئاً قط خلق نفسه ، و لا رأيت موضوعاً إلا مصنوعاً ، و لا جائياً إلا ذاهباً ، و لو كان يميت الناس الداء لأحياهم الدواء ".
و من حكماء العرب أكثم بن صيفي بن رباح.
و كان من حديثه – كما ذكر الألوسي – أنه لما ظهر النبي صلى الله عليه و سلم بمكه و دعا إلى الإسلام بعث أكثم ابنه حبشياً ، فأتاه بخبره . فجمع بني تميم و قال :
يا بني تميم ، لا تحضروني سفيهاً ، فإنه من يسمع يخل (1) ، إن السفيه يوهن من فوقه و يثبط من دونه ، لا خير فيمن لا عقل له ، كبرت سنى و دخلتني ذلة ، فإذا رأيتم مني حسناً فاقبلوه ، و إن رأيتم مني غير ذلك فقوموني أستقم.
إن ابنى شفه هذا الرجل مشافهة ، و أتاني بخبره ، و كتابه يأمر فيه بالمعروف و ينهى عن المنكر ، و يأخذ فيه بمحاسن الأخلاق ، و يدعو إلى توحيد الله تعالى ، و خاع الأوثان ، و ترك الحلف بالنيران ، و قد حلف (عرف) ذوو الرأي منكم أن الفضل فيما يدعو إليه ، و أن الرأي ترك ما ينهي عنه .
إن أحق الناس بمعونة محمد و مساعدته على أمره أنتم ، فإن يكن الذي يدعو إليه حقاً فهو لكم دون الناس ، و إن يكن باطلاً كنتم أحق الناس بالكف عنه و الستر عليه ، و قد كان أسقف نجران يحدث بصفته ، و كان سفيان بن مجاشع يحدث به قبله ، و سمى أبنه محمداً ، فكونوا في أمره أولاً و لا تكونوا آخراً ، ائتوا طائعين قبل أن تأتوا كارهين.
_________________________
(1) " من يسمع أخبار الناس و معايبهم يقع في نفسه عليهم المكروه " عن محمل الأمثال للميداني.