في كل من هذه الآيات لم تشعر أنك انتقلت من شعر إلى نثر .. لأنه توجد هناك فجوة كلامية .. و القرآن نظم فريد .. لا تستطيع أن تقول إنه نثر و لا شعر و لا سجع .. و إنما هو كلام فريد يتناسب مع قول القائل سبحانه و تعالى .. إذن فبلاغة القرآن في مطابقته للحال .. حال جميع المخاطبين .. و بلاغته من الإنتقال من الشعر إلى النثر .. و من النثر إلى الشعر دون أن تحس .. و بلاغته في تحريك النفس البشرية .. كل نفس بشرية .. و بلاغته في أن الله تحدى أساطين البلاغة .. بل تحدى الإنس و الجن في أن يأتوا بسورة من مثله .. فعجزوا و أمام هذا العجز لم يستطيعوا أن يصوبوا المواجهة التي يريدون أن يقوموا بها ضد الدين الجديد .. لم يستطيعوا أن يصوبوا هذه المواجهة إلى ذات المعجزة و هي القرآن الكريم .. لأن التحدي كان أقوى منهم جميعا .. فإذا بهم يصوبون ذلك إلى من جاءت على يديه المعجزة و هو محمد صلى الله عليه و سلم .. قالوا:
"لولا أنزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم"
و هنا مربط الفرس .. الحقد و الغيرة لم يستطيعا أن يواجها القرآن .. فقالوا لماذا اختار الله محمدا لينزل عليه القرآن .. كإنما آفة القرآن أنه أنزل على محمد عليه السلام .. و ليست آفته أنه صراع بين حق ينادي به القرآن .. و باطل هم مقيمون عليه ..
و الذي يقيم على الباطل يريد للباطل أن يستمر .. لأن الباطل هو الذي يعطيه القوة و القدرة و السياسة .. و هو يريد لهذا الباطل أن يبقى لتبقى له السيادة .. قيأتي الحق .. و يغلبه .. و يحس أن ملكه سيزول فيقول :
"اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فامطر علينا حجارة من السماء"
إذن فهو يريد العزة مع الباطل .. أما إذا كان زوال الملك سيأتي مع الحق فهو لا يريده .. و يطالب الله .. أو يطلب من الله أن يمطر عليه حجارة من السماء .. إذن فهو يكره الحق لذاته .. لأنه سيسلبه سلطانه و قوته .. و يريد للباطل أن يستمر .. ليبقى سيدا .. و لو بغير الحق .. ثم يقول الكفار بعد ذلك : "ان نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا" .. إذن المانع من الإيمان ليس أنه غير الحق .. لكن المانع له أنه سيزيل عنكم السيادة التي أعطاها لكم الباطل .. و سيتجرأ عليكم الناس و تتخطفون من أرضكم .. و كان هذا هو العناد .. بعد أن فشلوا في تحدي معجزة القرآن اللغوية .. و الرد عليها ..