إن ما قدمناه سابقاً لم يكن إلا مناحى موجزة من العقيدة الإسلامية لم تستوعبها ، فنحن لم نتتبع القرآن آية آية ، أو سورة سورة ، لنصل من ذلك إلى إعطاء فكرة تامة عن العقيدة الإسلامية.
على أن إيضاح هذه العقيدة يستلزم حتما توضيح موقف القرآن مما كان منتشراً في جزيرة العرب من معتقدات.
لقد قلنا سابقاً: إن جزيرة العرب كانت ملأى بمختلف العقائد ، سواء ما استند منها إلى الخيال و الوهم ، أو ما استند منها في أساسه إلى كتاب سماوي ، و القرآن يتحدث عن هؤلاء و أؤلئك. و يناقشهم و يجادلهم: ليقودهم في النهاية إلى الطريق المستقيم.
فإذا كان القرآن قد تحدث عن هذه المعتقدات فلم يكن ذلك ، لأنها في جزيرة العرب فحسب ، و إنما كان ذلك لأنها أنماط من معتقدات منتشرة في جزيرة العرب و في خارجها ، و كان هدفه من ذلك طبعاً تخليص فكرة الألوهية عن كل ما يشوبها من خطأ و وهم و ضلال.
تحدث القرآن عن معبودات لا تتصف بصفة الحياة كالأصنام و الكواكب. و في قصة سبأ ذكر لعبادة الشمس ، و في قصة إبراهيم ذكر لهذين النوعين وفيها ا يبطلهما.
أما فيما يتعلق بالكواكب فإنه من البين أن غلإله لا يطرأ عليه المغيب إذ الإله منزه عن ذلك:
(فلما جن عليه الليل رأى كوكباً قال: هذا ربي ، فلما أفل قال: لا أحب الآفلين. فلما رأى القمر بازغاً قال: هذا ربي ، فلما أفل قال: لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين. فلما رأى الشمس بازغةً قال: هذا ربي هذا أكبر ، فلما أفلت قال: يا قوم إني برئ مما تشركون) (1)
بيد أن عبادة الأصنام كانت متغلغلة في جزيرة العرب إلى درجة هي من القوة بحيث اقتضت القرآن أن يفتن في الرد عليها ، و اختلفت في أساليب رده بين الجدل الصارم ، و السخرية اللاذعة ، و التهكم المرير:
(و اتل عليهم نبأ إبراهيم ، إذ قال لأبيه وقومه : ما تعبدون؟ قالوا نعبد أصناماً فنظل لها عاكفين. قال: هل يسمعونكم إذ تدعون أو ينفعونكم أو يضرون؟ ) (2)
أما الأسلوب المنطقي الساخر المتهكم فإنه يتمثل في الآيات التالية:
( ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين، إذ قال لأبيه و قومه ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون؟
قالوا: وجدنا آبائنا لها عابدين.
قال: لقد كنتم أنتم و أباؤكم في ضلال مبين.
قالوا: أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين؟
قال: بل ربكم رب السموات و الأرض الذي فطرهن و أنا على ذلكم من الشاهدين. و تالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين. فجعلهم جذاذاً إلا كبيراً لهم لعلهم إليه يرجعون.
قالوا: من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين.
قالوا: سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم.
قالوا: فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون.
قالوا: أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم؟
قال: بل فعله كبيرهم هذا فأسألوهم إن كانوا ينطقون. فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا: إنكم أنتم الظالمون. ثم نكسوا على رءوسهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون.
قال: أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم؟ أفً لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون؟ ) (3)
________________
(1) سورة الأنعام آيات: 76 – 78.
(2) سورة الشعراء آيات: 69 – 73.
(3) سورة الأنبياء آيات: 51 – 67.