(حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ * رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (1)
لقد أنزله الله في ليلة مباركة منه سبحانه ، ولقد أنزله في ليلة القدر ، ليلة السلام والهداية ، ليلة السلام الفردي ، والهداية الفردية ، وليلة السلام الجماعي والهداية الجماعية.
إن القرآن رسالة رب العالمين الرحمن الرحيم إلى الكون كله بجميع عوالمه وهو رسالة رحمة: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) (2).
وهو لم ينزل لعصر دون عصر ، ولا لبيئة دون بيئة ، وإنما أنزل للإنسانية حاضرها وباديها وحاضرها ومستقبلها ، ومن أجل ذلك فإن الزمن هو الذي يجلي معانيه على مر الأيام ، وإن خير تفسير له هو الزمن.
والقرآن بهذا جديد باستمرار ، نضر على الدوام ، لا تنقضي عجائبه ، ولا يبلى على الزمن ، وكل شرح مطول له مهما استفاض لا يؤدي كل معانيه.
ولقد تجنب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يملي له شرحاً مستفيضاً ، أو تفسيراً له مطولاً رغبة منه صلوات الله وسلامه عليه في أن يقرأ القارئون بالأسلوب الإلهي النضر اليانع ، وتوجيهاً منه صلوات الله عليه في أن يقرأ القارئ وكأنما يتلقاه من فم الوحي مباشرة غضاً نضراَ ، فيكون له مصدر هداية ، وباعث رشد ، ونبعاً فياضاً بالحكمة.
وتجنب كبار الصحابة رضوان الله عليهم أن تستفيض أقلامهم بشرحه وتفسيره متأسين في ذلك بالرسول صلوات الله عليه ، ورغبة منهم في ألا تقوم الآراء البشرية ستائر تحجب النور القرآني أن يصل إلى القلوب مباشرة صافياً نقياً ، ولم يحاولوا أن يكونوا حجاباً بين القرآن وقلوب القرآء ، وكان في استطاعتهم أن يكتبوا في تفسيره وتأويله ما شاء الله أن يكتبه.
_______________
(1) سورة الدخان الآيات: 1-6.
(2) سورة الأنبياء آية: 107.