إ أسرائيلي يفضح " أوباما " ومعتدليه
*أحمد عزالعرب
تحت عنوان " كفي تذللاً لإسرائيل يا أمريكا " نشرت صحيفة "هاآرتس" الإسرائيلية مقالاً للكاتب الإسرائيلي جديون ليفي في أول نوفمبر يعري فيه تماماً أوباما وأتباعه من المعتدلين العرب لاستمراره في الحديث عن سلام لن يحدث أبداً بطريقته واستمرار الأتباع في محاولة خداع شعوبهم، " وما يخدعون إلا أنفسهم ولكن لا يشعرون" !
يقول ليفي: كان باراك أوباما مشغولاً بتقديم التهاني للشعب اليهودي برأس السنة العبرية، وبتسجيل فيلم فيديو لمؤتمره بالقدس وفيلم آخر بمناسبة الاحتفال بذكري اغتيال رابين، ولا يتفوق علي أوباما في غزارة تسجيلاته سوي الشيخ حسن نصرالله.
ففي كل تسجيلاته يغدق أوباما المديح لإسرائيل رغم أنه قضي حوالي سنة في تحريضها دون جدوي علي أن تفعل شيئاً، أي شيء ولو حتي تجميداً مؤقتاً لبناء المستوطنات لإمكان دفع عملية السلام، وكان جورج ميتشل مبعوث الرئيس مشغولاً بدوره في التنقل بين السير في جنازة الجندي الإسرائيلي عساف رامون ابن أول رجل فضاء إسرائيلي وبين الاشتراك في الاحتفال بذكري وفاة رابين التي تأجلت أسبوعاً بسبب الأمطار، حتي يكسب بدوره رضاء إسرائيل.
وتشير استطلاعات الرأي لنفور شعبي شديد ضد أوباما في إسرائيل، إذ لم يزد مؤيدوه علي 6? إلي 10?. قرر أوباما مخاطبة الإسرائيليين عن طريق الفيديو، ولكن حديثاً جذاباً لن يقنع أحداً بإنهاء الاحتلال، كان يجب علي أوباما ببساطة قول الحقيقة للإسرائيليين، وطبعاً ستعبر وزيرة خارجيته هيلاري كلينتون التي وصلت إسرائيل عن نفس المشاعر و" التزام أمريكا بأمن إسرائيل"، والتحالف الاستراتيجي معها والحاجة للسلام.. إلخ.
إن أمريكا لا تركع هكذا أمام أي بلد علي هذا الكوكب وتتوسل بهذه المهانة.
ففي أماكن أخري مضطربة من العالم تستخدم أمريكا أسلوباً آخر، فهي تقذف أفغانستان بالقنابل وتغزو العراق، وتهدد إيران بالعقوبات، وكذا كوريا الشمالية، هل فكر أحد في واشنطن مثلاً في التوسل لصدام حسين لسحب قواته من الكويت المحتل؟ ولكن إسرائيل التي تحتل وتعاند أمريكا في إصرار وتسخر منها ومن العالم ببناء المستوطنات وإذلال الفلسطينيين تلقي معاملة أخري، فيرسل أوباما فيديو آخر لدغدغة مشاعر الإسرائيليين وإرضاء غرورهم القومي.
والآن جاء الوقت لنقول لأمريكا: كفي تذللاً. فإذا لم تغيري لهجتك مع إسرائيل فلن يتغير شيء، فطالما شعرت إسرائيل أن أمريكا في جيبها وأن الفيتو الأمريكي سينقذها من الإدانة والعقوبات، وأنها ستستمر في تلقي المعونات الأمريكية الضخمة دون شروط، وأنها تستطيع الاستمرار في شن هجماتها وغزواتها الدموية دون كلمة اعتراض واحدة من واشنطن، والاستمرار في القتل والتدمير والأسر دون أن يقول لها الشرطي العالمي كلمة اعتراض فستستمر في طريقها.
فالأعمال غير المشروعة مثل الاحتلال وتوسيع المستوطنات والهجمات التي قد تكون جرائم حرب مثل غزة تحتاج لأسلوب آخر في مواجهتها، فلو أن أمريكا والعالم قد أصدر إدانة صريحة ضد عملية " مطر الصيف" 2006 التي قتل فيها أربعمائة فلسطيني وسببت دماراً هائلاً في غزة في أول هجمة إسرائيلية كبري عليها منذ انسحابها من غزة، لو كان ذلك قد حدث لما جرؤت إسرائيل علي شن عملية " الرصاص المنصهر" 2008 .
الحقيقة أن إسرائيل بعكس باقي الدول المشاغبة في العالم، منظور إليها علي أنها ديمقراطية غربية، ولكن إسرائيل 2009 هي دولة لغتها القوة، فربما كان أنور السادات هو آخر قائد يكتسب قلوبنا ويقدم لنا التفاؤل ويشعل أملنا في السلام بأحاديثه، ولكن أنور السادات نفسه لوزارنا اليوم في إسرائيل لهاجمناه وهتفنا ضده حتي نطرده من فوق المسرح، فالرئيس السوري مثلاً يطالب بالسلام ولكن إسرائيل ترفض الاستجابة له في صلف ووقاحة، وأمريكا تتوسل لتجميد بناء المستوطنات، ولكن إسرائيل ترفض وتشمخ بأنفها، وهذا هو طبعاً ما يحدث مادامت إسرائيل لا تواجه أي نتائج لأفعالها.
عندما تعود هيلاري كلينتون إلي واشنطن بعد زيارتها لنا عليها أن تطالب بتغيير حاد في السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل، فقلوب الإسرائيليين لم يعد ممكنا كسبها بالأمل والوعود الوردية بمستقبل أفضل والكلام المعسول، فهذه الكلمات والمشاعر لم تعد اللغة السائدة في إسرائيل، وحتي يمكن أن تتغير الأمور لابد أن تفهم إسرائيل أن محاولتها تجميد الأوضاع القائمة علي ما هي عليه سيكون ثمنه مؤلماً جداً في النهاية.
إن إسرائيل 2009 هي دولة أفسدها التدليل وأصبحت دولة مغرورة متعالية ومقتنعة تماماً أنها تستحق كل ما تريد، وأن لديها القوة أن تستغفل أمريكا والعالم، وقد تسببت أمريكا في حدوث هذا الوضع الذي يعرض للخطر الشرق الأوسط كله وإسرائيل نفسها، ولذلك يتعين أن يكون هناك منعطف للدوران للخلف خلال العام المقبل، وعلي أمريكا أن تقول لا أخيراً لإسرائيل وللاحتلال، وأن تكون كلمة " لا " صريحة واضحة ينطقها الرئيس الأمريكي دون تردد.
وإلي هنا ينتهي المقال غير المسبوق لهذا الكاتب الإسرائيلي الشجاع الذي نحيي فيه شجاعته وأمانة عرضه التي تقطع الطريق علي متسولي السلام من ملوك الطوائف الجدد السائرين في ركاب أوباما والذين يفعلون جهدهم لتحويل شعوبهم إلي هنود حمر جدد إرضاء لسيدهم في واشنطن لعله يرضي عنهم ويتركهم ينعمون بمقاعد الحكم المطلق فوق رقاب شعوبهم وتوريث هذه المقاعد لأبنائهم.
وربما كان كل منهم يتحسس رقبته في فزع خلال خلوته بنفسه ويتذكر التصريح الذي أطلقه العدو الشرير الجنرال أيالون رئيس الأركان الإسرائيلي مؤخراً، حيث قال إنه لم يعد أمام الحكام العرب إلا طريقان لا ثالث لهما، فأما اللحاق بصدام حسين علي حبل المشنقة، وإما الاستسلام الكامل كما فعل القذافي وتسليم السيد الحاكم في واشنطن كل ما يطلب ولو طلب ملابسهم الداخلية.
واضح تماماً أن الكيان الاستيطاني الإسرائيلي الذي زرعه الغرب في المنطقة يقوم بعمله علي خير وجه وينتقل من نجاح إلي نجاح لإبقاء هذه المنطقة خاضعة خانعة، ولن يتغير الأمر قبل أن يفيق الهنود السمر من سباتهم ويسحقوا طغاتهم ويستردوا حريتهم وحقهم في حكم أنفسهم كما تفعل الشعوب المحترمة من جيرانهم مثل تركيا والهند وعشرات الدول التي أخذت شعوبها مصائرها في أيديها، فإن الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم.
*عضو الهيئة العليا لحزب الوفد
جريدة الوفد
13/11/2009