بدأت أولى محاولات الغزو الثقافى الأمريكى للشرق أثناء الحرب العالمية الثانية، ولم يكن هذا الغزو يتمثل فى تغلغل أفكار دخيلة فى ثنايا إنتاج ثقافى يقوم به مفكرون أو أدباء محليون .. بل ظهر بصورة سافرة فى شكل مجلات تصدرها أمريكا مباشرة سعيا إلى السيطرة على المنطقة العربية، من خلال تشكيل عقول أبنائها على طريقتها الخاصة ، ففى سنوات الحرب ظهرت مجلة " المختار " التى كانت تمثل فكرة جديدة لم تعرفها المنطقة العربية، وذلك بإصدار نسخة عربية لمجلة "ريدرز دايجست" الأمريكية، وقد سبق ظهور هذه المجلة حملة دعائية هائلة، فى وقت كانت فيه الدعاية الملحة شيئا غير مألوف فى بلادنا.
وليس ذلك هو المهم، بل اللافت للنظر هو أن مقالاتها كانت بالفعل مختارة، لكى تصوغ العقل العربى فى القالب الأمريكى، فهى تدعو إلى قيمة الحياة الأمريكية وتمتدح بلاد الفرص السانحة، وآفاق الربح التى لاتنتهى.
وقد لقيت المجلة رواجا هائلا فى واقع الأمر، وحققت شكلا من أشكال السيطرة لأجهزة الإعلام ذات الامكانيات الهائلة.
وفى خط مواز لتلك المطبوعة كانت السينما الأمريكية تفرض سيطرتها على مصر ودول المنطقة، ولما ظهر التليفزيون كانت المسلسلات الأمريكية هى المادة المفروضة على المشاهدين، بما فيها من قيم وسلوكيات تتنافى مع قيمنا وثوابت ديننا.
ومع تطور وسائل الإعلام وظهور الفضائيات والانترنت، وجدت القوى الصليبية أن هذه الوسائل تغنيها عن تجييش الجيوش لإخضاع بلاد المسلمين، فكانت الآلة الإعلامية بما وصلت إليه من تطور هى القوة الضاربة لكى تحقق القوى الصليبية هيمنتها علينا، وهاهى تطلق قاذفاتها على قواعد ديننا ظنا منها أنها ستدمره.
ولأن مصر هى قلب العروبة، وهى حامى حمى الإسلام، وهى عامود الخيمة الذى إذا سقط تنهار الخيمة، فإن نيران تلك القوى لاتستهدف غير مصر، وتأتى تلك النيران من مدافع على أرضنا، وهى مانسميه نيران صديقة، لكنها أخطر أنواع النيران، لأنها تدمر الأهداف من قلبها.
فى منظومة الإعلام الذى يخدم القوى الصليبية، سنرى أن الغالبية العظمى فى صحفنا ومنابرنا الإعلامية تخدم هذه القوى، ولكل منبر دورا محددا، وله مساحة متفق عليها، فعندنا من الصحف مثلا تأتى صحف: المصرى اليوم، والدستور، واليوم السابع، فى مقدمة الصحف المصرية التى تتحدث باسم الكنيسة، ولعلنى أذكر هنا مابثه لى صديق عن جريدة اليوم السابع التى صدرت فى أواخر العام الماضى، قال لى صديقى الصحفى الكبير، أن المجلس الاعلى للصحافة كان مجتمعا للنظر فى طلبات إصدار عدة صحف، وكلها مستوفية كافة الشروط، لكن المجلس لم يوافق إلا على اليوم السابع، وواصل صديقى حديثه لى قائلا: السفيرة الأمريكية اتصلت بصفوت الشريف فى الصباح وطلبت منه الموافقة فورا على إصدار اليوم السابع.
واليوم السابع، هو اليوم الذى له قداسة عند اليهود، فهم طبقا لعقيدتهم يقولون بأن الله خلق الدنيا فى ستة أيام واستراح فى اليوم السابع، وأشهر أيقونه عند اليهود هو الشمعدان السباعى.
رئيس تحرير اليوم السابع، مدافع مخلص عن "القضية" القبطية، ومتطرف جدا جدا فى الدفاع عما يسمى مشاكل المسيحيين، وضيف دائم لدى أقباط المهجر، وصديق حميم لكل الرموز المسيحية خارج مصر، وكافأه ساويرس فأسند إليه مهمة إدارة إحدى الفضائيات التى يمتلكها، ومن يقرأ ماتنشره اليوم السابع سيقول أننا فى مجتمع نصراني، ليس للإسلام فيه أى أثر.
أما الدستور، فإن رئيس تحريرها، بات يعيش فى رغد لم يكن يحلم به، وهذا الرغد الزائد مصدره قارون مصر، الذى ابتدع فيلما طريفا، فكان الرجل (ساويرس) يقدم برنامجا بنفسه عبارة عن حوار مطول وعلى عدة حلقات مع واحد من خُدامهم المخلصين، مظهرا لمن يستضيفهم أنهم أعلام بحق، واستأثر ابراهيم عيسى بنصيب الأسد من هذا البرنامج، وصدق نفسه، صدق أنه كاتب، وأنه كبير، وأنه ذو حيثية، وعاش فى الدور الذى توهمه، وبات يقدم للمسيحيين أكثر مما يحلمون به، ويكفى أن جريدة الدستور هى التى نشرت خبر نشر كتاب العالم الجليل محمد عمارة، المسمى "تقرير علمى"، وجاء عنوان الخبر الذى نشر فى الصفحة الأولى يوم 7 ديسمبر 2009 محرضا على الأزهر وعلى العالم الجليل الكبير، لينال رضا سيده، ولو كان فى قلبه ذرة ايمان بصاحب الرسالة التى ينتمى إليها ـ على الورق ـ لما فعل هذا، وأيضا لو كان فى قلبه ذرة إيمان بما أنزل على محمد، لما روجت جريدته لمهزلة ظهور العذراء، فأى عذراء هذه التى ستأتى بين "الصلبان" وتعلن عن نفسها، وهل كانت العذراء تلبس صليبا؟؟ .. ألا يعرف أن المسيحية لم تعرف الصليب إلا فى عهد الامبراطور قسطنطين الأول مؤسس مدينة القسطنطينية وأمه الامبراطورة هيلانة بعد قصة الصلب بأكثر من ثلاثة قرون؟ حيث كان ذلك مابين نهاية القرن الرابع وبداية القرن الخامس الميلادى، وقصة ذلك لاينكرها أى مسيحى، ولو ترك ابراهيم عيسى كتب ماركس وأنجلر ومن على شاكلتهم وقرأ كتابا فى التاريخ لعرف أصل الحكاية.
أما المصرى اليوم، وهى تاج الإعلام المكتوب للمسيحيين، فهى أكبر وأخطر منبر يمتلكه مسيحيو مصر، وهى أخطر منبر يخدم الكنيسة المصرية، وإذا لم يفطن جموع المسلمين لتلك الحقيقة، ويبادروا بمقاطعتها، فإن النتائج ستكون خطيرة للغاية.
لقد اتبعت المصرى اليوم منهج مجلة المختار التى كانت بداية الغزو الثقافى الصليبى لمصر، فصدرت تلك الصحيفة فى صيف 2004 بإمكانيات عالية للغاية، حيث عهد بإخراجها إلى محترفين فى مجال الإخراج الصحفى، وحشد مؤسسوها كتيبة من الأقلام العلمانية، وكان الهدف الأساسى للجريدة أن تكون لسان حال الكنيسة المصرية، فلو أصدرت الكنيسة صحيفة أو أكثر لما حققت أى نسبة من أهدافها، ولذا كان التفكير فى إصدار صحيفة تبدو أولا على أنها مستقلة، وتتكلم بلسان المواطن العادى، وشيئا فشيئا تعلن عن هويتها، وهو دعم التيار المسيحى المتطرف فى مصر، ومحاربة كل مايتعلق بقيم الإسلام الفضلى.
وفى سبيل تحقيق هذا الهدف، قامت الصحيفة باستقطاب كل الكتاب ذوى القلوب المريضة، الذين لاينتمون لأى عقيدة، وتطلقهم على جموع الشعب المصرى الذى يمثل المسلمين فيه 95% من سكانه، لعمل غسيل فكرى لهم، وإعادة تشكيل أفكارهم.
وكون أن المصرى اليوم هى جريدة الكنيسة الناطقة باسمها، فهذه حقيقة لايستطيع أحد إنكارها، فهى جريدة الكنيسة قلبا وقالبا، وهذا فى حد ذاته قد يكون أمرا مقبولا، لكن الغير مقبول هو أن تتطاول الجريدة على الإسلام ونبيه، والغير مقبول هو أن تتطاول الجريدة على كتاب الله وماجاء فيه من أحكام، من خلال نشرها لمقالات الكتبة الملحدين، وعلى رأسهم المدعوة نادين البدير، التى قدمها رئيس تحرير المصرى اليوم لأول مرة فى عدد الجريدة الصادر فى 26 أبريل 2009، ونشر لها مقالا كانت قد نشرته فى صحيفة الرأى الكويتية، ثم أفسح لها مكانا بارزا لتنشر ترهاتها ودعواتها الإلحادية، وأفكارها المسمومة.
لقد دأبت الجريدة المعنية على نشر عظة البابا التى يقولها مساء الأربعاء فى عدد الجمعة، لقد اختارت يوم الجمعة الذى له مكانة خاصة بين المسلمين، لنشر عظة البابا التى يقولها فى الكاتدرائية كل أربعاء، وتنشرها حتى لو كان بها مايسىء لصلب العقيدة الإسلامية، مثلما نشرت كلامه عن إنكاره لملك الموت، وهو ماأشرنا إليه من قبل، وفى المقابل لايعنيها مايقال فى خطبة الجمعة التى تهم 95% من سكان مصر.
ولم تكتف الصحيفة بنشر عظة البابا يوم الجمعة، بل رأت أن تفسد على المسلمين روحانية هذا اليوم، بنشر مقال الكاتبة السعودية نادين البدير كل يوم جمعة، وتنشر له إشارة فى أعلى الصفحة الأولى بجوار ترويسة الصحيفة، وكأنها أعظم كاتبات زمنها، وجاء مقالها يوم الجمعة الماضة (18 ديسمبر 2009) مطالبا بتعطيل بعض النصوص القرآنية، ومن بينها النص الذى يبيح الزواج بأكثر من واحدة، وقالت أن الرق ذكر فى القرآن والحكومات ألغته فلماذا لانلغى النص على تعدد الزوجات، واستشهدت بدولة تونس التى منعت تعدد الزوجات.
والغريب أنه فى ذات العدد، كان هناك مقال آخر لواحدة اسمها "سحر الجعارة" تقول نفس الكلام وبنفس الصياغة، تقول بأن الرق جاء فى القرآن والحكومات ألغته، وهذا مايؤكد أنها حملة مدبرة، وأن الإثنتين تابعتان لجهة واحدة، لأن مقاليهما نشرا فى وقت واحد، وماقالته هذه أو تلك يدل على جهل شديد منهما، لأنه طبقا لهذا المنطق سنقول بأن الزنا جاء فى القرآن والخمر جاء فى القرآن وكذا القتل والسرقة، فهل إذا ذكر شىء فى القرآن يكون هذا الشىء مباحا ؟؟!!، فالسيدتان اللتان نقلتا للقراء ما قد أملى عليهما لا تعرفان أن القرآن جعل "عتق الرقاب" تكفيرا عن بعض الذنوب، ولو تعلما شيئا عن السيرة النبوية ستجد أن محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته كانوا الأسبق فى تاريخ البشر فى عتق العبيد.
وماتنشره تلك الكاتبة عبر صفحات المصرى اليوم فى يوم الجمعة يتضاءل أمام كتابات أخرى تهين القرآن ونبيه عليه السلام، وعودوا معى لعدد المصرى اليوم الصادر بتاريخ 12 ديسمبر 2009، واقرأوا معى مقال الصيدلى المغرم بالفرعونيات المدعو وسيم السيسى، حيث كتب مقالا فاجرا يستحق بسببه أن يقدم ضده مليار ونصف المليار بلاغ بعدد مسلمى الأرض، فالرجل جاء مقاله عن حجر رشيد الذى يعتبر مفتاح التاريخ الفرعونى، ومن خلاله عرف العالم تاريخ المصريين القدماء، وقال وسيم السيسى أنه عرف من خلال هذا الحجر حقائق كثيرة، وننقل هنا ماكتبه بالحرف ومر مرور الكرام، دون بلاغات أو مظاهرات، أو احتجاجات.
يقول وسيم السيسى فى مقاله المنشور بجريدة المصرى اليوم يوم 12 ديسمبر 2009 بالنص:
"عرفت أن خالى.. ليس بخالى.. إنما هو راعى غنم .. خدعنى وكذب علىَّ حتى صدقته.. عرفت أن جدى.. هو أول من علم هذا الكذاب أن هناك حياة بعد هذه الحياة، وأن هناك عدالة اسمها ماعت، وأن هناك حساباً، وثواباً، وعقاباً... وأن هناك جنة وناراً، وكان هذا الخال الكاذب يؤمن بأن الأرواح تذهب إلى أرض الظلمات.. أرض «شيول».
عرفت أن جدى كان أول من وضع قانوناً للأخلاق أسمى بكثير من قوانين هذا البدوى «برستد» كما أنه كان أول من وضع قانوناً لحقوق الإنسان «حور محب».
عرفت أن جدى كان رياضياً بارعاً، وفلكياً موهوباً، وطبيباً أجرى الجراحات ووصف الدواء على أسس علمية صارمة.
عرفت أن جدى هو أول من اكتشف الشعرى اليمانية وضبط بها السنة القمرية وحولها إلى سنة شمسية ٤٢٤١ ق.م.
عرفت أن جدى كان فناناً مرهف الحس.. وضع السلم السباعى للموسيقى، وعلم أفلاطون الفلسفة.. حتى قال أفلاطون: ما من علم لدينا إلا وقد أخذناه من هذا الجد العظيم.
كان جدى يقول لنائبه: اعلم أن الماء والهواء.. سينقلان إلىَّ كل ما تفعل فى الخفاء.. ليكن نبراسُك ماعت (العدالة).
عرفت أن جدى كان طبيباً ماهراً، حين زارنى فى القصر وارن داوسن وقال لى: العلوم جميعاً خاصة الطب.. جاءت من جدك العظيم..
قرأت وقرأت فيما كتبه جدى.. فعرفت أن الله أرسل له إدريس وقد كان نبياً ورسولاً.. كما أرسل له لقمان والخضر.. لذا لم أجد كلمة جديدة عند هذا الخال لم يقلها جدى.. بل أخذ هذا الخال حكم أمنوبى.. وقصة الأخوين، ونسبها لنفسه (برستد - فجر الضمير ص ٣٠٣).
ما أشد حيائى من نفسى.. وإنى أحاول أن أجد الأعذار لخديعتى وجهلى.. فلا أرى أنها تغنى عن الحق شيئاً..! هذا الحق هو أنى ساذجة أشد ما تكون السذاجة.. عقلى فى أذنىَّ كالببغاء.. صدقت هذا الكاذب وأسأت إلى هذا الرجل العظيم."
والذى فات على الكثيرين أن كاتب المقال يقصد بالخال راعى الغنم الكاذب هنا النبى الخاتم محمد عليه أفضل الصلوات والتسليمات.
ومازال للحديث بقية ...
salahelemam@hotmail.com