الإمام عبد الله الشبراوي
أبو محمد جمال الدين عبد الله بن محمد بن عامر بن شرف الدين، الشبراوي، الشافعي.
الميلاد:
ولد سنة 1091هـ، وقيل: سنة 1092هـ/1681م.
نشأته ومراحل تعليمه:
تلمذ الشيخ الشبراوي -رحمه الله- للإمام الخراشي، الشيخ الأول للأزهر، ونال إجازته(1) وهو دون العاشرة، ومن أساتذته المرموقين العلامة الأديب الشاعر الشيخ حسن البدري، وكان من الشعراء الممتازين في زمنه، وله ديوانين من الشعر، وقد روى الجبرتي بعض قصائده، ويظهر أن الشيخ الشبراوي تأثر بأدبه، كما أنه تلمذ عليه في علم الحديث، وتلقى الفقه عن العلامة الشيخ شهاب الدين أحمد بن محمد الثحلى الشافعي المكي، ومن شيوخه الممتازين الشيخ خليل بن إبراهيم اللقاني، والشيخ محمد بن عبد الرازق الزرقاني، والشيخ أحمد النفراوي، والشيخ عبد الله بن سالم البصري.
ومن أعلام شيوخه: الشيخ الإمام الفقيه الفرضي(2) صالح بن حسن البهوي، كما أخذ عن علامة الفنون: شمس الدين الشرنبلالي شيخ مشايخ الجامع الأزهر.
تلاميذه:
من تلاميذه النابهين، الإمام الفصيح الشيخ إبراهيم بن محمد بن عبد السلام الرئيس الزمزمي المكي الشافعي، والوالي عبد الله باشا بن مصطفى باشا الكوبريلي -أو الكبوري نسبة إلى بلدة كبور- الذي ولاه السلطان محمود خان الخليفة العثماني ولاية مصر، وكان شاعرًا أديبًا وعالما جليلا، ما كاد يلي منصب الولاية حتى اتصل بكبار العلماء والأدباء والشعراء في مصر، وتلقى عنهم معارفه واستجازهم في الرواية عنهم.
ومنهم الشيخ أحمد بن عيسى العماوي المالكي، وقرأ عليه صحيح البخاري، ومسلم، والموطأ، وسنن أبي داود، وابن ماجه، والنسائي، والترمذي، وغيرها.
أخلاقه:
كان الشيخ الشبراوي -رحمه الله- كريم النفس، واسع الأفق، رحب الصدر، يدافع عن أولياء الله من العلماء والصالحين، حكيمًا في تصرفه، ويتجلى تسامحه في موقفه من المسيحيين، فيذكر الجبرتي أن نصارى الأقباط قصدوا الحج إلى بيت المقدس، وكان كبيرهم إذ ذاك (نوروز) كاتب رضوان كتخدا، فكلم الشيخ عبد الله الشبراوي في ذلك، فكتب له فتوى وجوابًا ملخصه أن أهل الذمة لا يمنعون من دياناتهم وزياراتهم(3)، فهلل الأقباط لهذا وفرحوا به، إلا أن البعض لم تعجبه هذه الفتاوى وثاروا ضد الشيخ الشبراوي، لكن الشيخ لم يخطئ في الفتوى.
منزلته:
الإمام الشبراوي شخصية فذة، جمعت بين مواهب عديدة، فهو شاعر ممتاز بالنسبة لعصره، وكاتب مرموق بالنسبة إلى عصره، وهو إلى هذا عالم فقيه، يمتاز بالتعمق في دراسة الفقه وأصوله، والحديث وعلم الكلام.
وإلى هذا أشار الجبرتي بقوله في ترجمته: «الإمام، الفقيه، المحدث، الأصولي، المتكلم، الماهر، الشاعر، الأديب»(4)، وقد اجتمعت له الوراثة الصالحة والبيئة العلمية المناسبة، فنمت مواهبه وأينعت وتفتحت عن أطيب الثمرات في عصره، أما وراثته فيحدثنا عنها الجبرتي فيذكر أنه «من بيت العلم، والجلالة، فجده عامر بن شرف الدين ترجمه الأميني في الخلاصة(5) ووصفه بالحفظ والذكاء»(6).
وقد نال الشيخ الشبراوي -رحمه الله- شهرة عظيمة، وكانت له مكانة سامية عند الحكام والولاة، ومن يحيط بهم.
قال الجبرتي عنه: «لم يزل يترقى في الأحوال والأطوار ويفيد ويملي ويدرس حتى صار أعظم الأعاظم، ذا جاه ومنزلة عند رجال الدولة والأمراء ونفذت كلمته، وقبلت شفاعته، وصار لأهل العلم في مدته رفعة مقام ومهابة عند الخاص والعام وأقبلت عليه الأمراء وهادوه بأنفس ما عندهم»(7).
وعلى الرغم من هيبته وجلاله وعلو منصبه، فإنه كان يستجيب لنوازع المشاعر الوجدانية، فيعبر عن هذا في شعر رقيق، ومن أعذب قصائده الغزلية الرقيقة المشهورة التي استهلها بقوله:
وحقك أنت المنى والطلب وأنت المراد وأنت الأرب
ولي فيك يا هاجري صبوة تحير في وصفها كل صب
ولا عجب أن يلهج العلماء بالشعر الفني الجميل، فقد مدح الشعراء النبي صلى الله عليه وسلم واستهلوا مدائحهم بالغزل الرقيق العفيف، فقد فعل هذا حسان والأعشى والنابغة الجعدي، وظلوا ينسجون على هذا المنوال وحسبنا قصيدة البردة.
وكان الشيخ الشبراوي -رحمه الله- يستغل مواهبه الشعرية في نظم بعض العلوم لتسهيل حفظها على الطلاب بمثل نظمه للآجرومية في علم النحو.
مؤلفاته:
- مفاتح الألطاف في مدائح الأشراف، وهو ديوان شعر للمؤلف طبع مرارًا.
- الإتحاف بحب الأشراف، طبع بمصر سنة 1316هـ.
- الاستغاثة الشبراوية.
- عروس الآداب وفرحة الألباب في تقويم الأخلاق، ونصائح الحكام، وتراجم الشعراء، توجد منها نسخة خطية في ليدن.
- عنوان البيان وبستان الأذهان في الأدب والأخلاق والوصايا والنصائح، طبع بمصر مرارًا.
- نزهة الأبصار في رقائق الأشعار، منها نسخة خطية بدار الكتب المصرية.
- شرح الصدر في غزوة بدر، طبع بمصر سنة 1303هـ.
- نظم بحور الشعر وأجزائها، منه نسخة خطية بدار الكتب المصرية.
- شرح الرسالة الوضعية العضدية في علم الوضع، وهي من تأليف القاضي عضد الدين عبد الرحمن بن أحمد الإيجي، المتوفى سنة 765هـ، وقد شرحها كثيرون، ومنهم الإمام الشبراوي، وتوجد منه نسخة خطية بدار الكتب المصرية.
- العقد الفريد في استنباط العقائد من كلمة التوحيد، وهي رسالة موجزة في بضع ورقات، منه نسخة خطية بدار الكتب المصرية.
- عنوان البيان ونسيان الأذهان في البلاغة.
- إجازة من الإمام الشبراوي إلى الوزير الوالي عبد الله بن مصطفى باشا الكوبريلي أجازه فيها بكل ما تلقاه عنه، منها نسخة خطية بدار الكتب المصرية.
- سند الشبراوي، ذكر فيه مشايخه ومروياته، كتبه في أواخر رمضان سنة 1142هـ، توجد منه عدة نسخ خطية بدار الكتب المصرية، وبعضها عليه توقيعه بخطه.
ولايته للمشيخة:
ولي الشيخ الشبراوي -رحمه الله- مشيخة الأزهر عام 1137هـ/1724م، وكان أول من يلي مشيخة الأزهر من مشايخ المذهب الشافعي.
وفاته:
توفي الشيخ الشبراوي رحمه الله في صبيحة يوم الخميس سادس ذي الحجة ختام سنة 1171 هـ، وصُلِّي عليه بالأزهر في مشهد حافل عن ثمانين سنة تقريبًا(8)، وجاء في سلك الدرر أن وفاته -رحمه الله- كانت سنة اثنين وسبعين ومائة وألف، ودفن بتربة المجاورين(9).
مصادر ترجمته:
- الأزهر في اثني عشر عامًا، نشر إدارة الأزهر.
- الأزهر في ألف عام، محمد عبد المنعم خفاجي 2/342، 343.
- الأعلام للزركلي 4/130.
- دور الأزهر في الحفاظ على الطابع العربي لمصر إبان الحكم العثماني للدكتور
عبد العزيز محمد الشناوي، طبع دار الكتب سنة 1972م.
- سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر، محمد خليل المرادي، القاهرة: دار الكتاب الإسلامي.
- شيوخ الأزهر، تأليف: أشرف فوزي.
- عجائب الآثار للجبرتي، نشر لجنة البيان العربي.
- كنز الجوهر في تاريخ الأزهر، تأليف: سليمان رصد الحنفي الزياتي.
- مشيخة الأزهر منذ إنشائها حتى الآن، تأليف علي عبد العظيم.
----------------------
(1) الإجازة معناها: الإذن له برواية ما سمعه منه.
(2) الفرضي: العالم بالفرائض، وهي أنصبة المواريث.
(3) عجائب الآثار 2/239، 240.
(4) عجائب الآثار 2/120.
(5) هو صاحب كتاب خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر، وهو: محمد أمين بن فضل الله المحبي، ت 1111هـ.
(6) عجائب الآثار 2/120.
(7) عجائب الآثار 2/120.
(8) عجائب الآثار للجبرتي.
(9) سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر 3/107.