إعادة البناء النفسي والعسكري للأمة
سيطرت الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية على مقاليد الأمور في العالم ، وتحكمت في مقدرات الشعوب والأمم في جميع نواحي الحياة : الفكرية والتكنولوجية والعسكرية والتغذية ، وهاهي تتجه نحو المياه ، وتسعي أن تخصص مقادير محددة لكل دولة ، وخاصة العربية منها، كل هذا وغيره يجبرنا نحن العرب والمسلمين - إن كنا نعي الدرس جيداً - أن نتجه نحو بناء قوانا النفسية والعسكرية التي لا محال منها إن حاولنا أن نحافظ على بقاءنا في هذه الحياة حتى تُتاح لنا لقمة العيش بكرامة – إن بقيت لنا كرامة .
فاللهث وراء الغرب والأمريكان بات موضة منتهية الموديلات وغير صالحة لأجسادنا التي أصبحت غير قادرة على الجري خلف فتافيت الطعام التي يتركونها من بين أيديهم.
وحماية النفس والمحافظة علي بقاء النسل والذرية التي هي مستقبل الأمم لأمرٌ يُحتم علينا أن نعيد ورقة تفكيرنا من جديد في استشراف المستقبل للأجيال القادمة ، بدلاً من قراءة خططنا الاستراتيجية وأوراقنا المستقبلية بالمقلوب.
وحماية الأرض وإعمارها والبقاء علي أرض الأجداد والأسلاف حتى يتسلمها أبناؤنا دون نقص أو تفريط ، ليُحتم علينا أن نملك في أيدينا ما نحمي به ما نريد.
ونشر الخير والصلاح بين أنفسنا - علاوة علي نشره بين الأمم - ليتطلب أدوات تتناسب مع العصر وتساعد إمكانياتنا الفكرية والمادية ، وإلا سنتخلى عن مهمتنا المحددة لنا والتي خُلقنا من أجلها ؛ وهي عبادة الله وتعبيد الناس لربهم.
كل هذا وغيره يدفعنا دفعاً أن نسعى جاهدين - ومن الآن - لإعادة بناءنا النفسي والعسكري من جديد.
فالبناء النفسي هو الضرورة الملحة والتي يجب أن تترسخ داخل كل إنسان ؛ لتبين مدي قناعته ومدي عطائه ، ولن يكون ذلك إلا بعدة نقاط ، ومنها :
- بناء الجانب الإيماني والروحي في نفوس الشعوب ، والتأكيد علي معيَّة الله وقدرته وعطائه ومنعه.
- تهيئة أماكن العبادة والمحافظة علي حرمتها بما يتناسب مع التزام الشعوب وانضباطها في الجوانب التعبدية لله سبحانه وتعالي ، والتي لا مناص منها في تنفيذ أوامره سبحانه ، وتهيئة النفوس لطاعة الأوامر واجتناب النواهي.
- تفجير الطاقات واكتشاف المواهب لدي الشعوب العربية والإسلامية ، وتبني الابتكارات والاختراعات وإخراجها حيز التنفيذ، وتحفيز الآخرين على استغلال العقل في التفكير والتدبر بدلاً من التدمير والتشرد.
- تهيئة الجو المناسب والأماكن الفسيحة للانطلاق والترويح وانتعاش الأجسام نحو إعادة نشاطها مرة أخري.
- تفعيل التأمين الصحي والعناية الجيدة والحقيقية بصحة الشعوب ، وحمايتها من الأمراض والأوبئة مع الاستفادة من العقول العلمية المهاجرة ، وخاصة الهاربة من الكبت والبطش العلمي والمادي من حكومات بلادها، وأن يستفاد منها علي مستوى البلاد العربية والإسلامية إن لم ترغب العودة إلي بلادها مرة أخرى.
- توجيه أموال الأمة في إعادة بناء كيانها العلمي والاستراتيجي ، والبعد عن الإسفاف والتبذير والتفريط مما يولد نوع من الثقة لدى الشعوب نحو حكوماتهم.
- إيجاد كوادر جديدة تحمل عبء المسئولية في جميع النواحي ، وتوفير الإمكانيات اللازمة لذلك، وتأهيل ورفع كفاءة الكوادر المسئولة حالياً ، والتركيز علي التطوير الفني في الأداء بدلاً من الانتشار الأفقي وكثرة أعداد المسئولين دون جدوة تُذكر.
- إعادة وتنقيح وصياغة القوانين واللوائح والدستور بما يتناسب مع الشورى والديمقراطية وحرية الشعوب في ظل ضوابط الشرع والدين، مما يهيئ الجو النفسي الصحي والطبيعي نحو التفكير في الإبداع والثقة في إعادة بناء قُوَى الأمة من جديد.
- استخدام ميزان الشرع في السلوكيات والأخلاقيات نحو حركة الشعوب فيما بينها وفيما بين الحكومات ، وخاصة ميزان العدل والمساواة ، والمحافظة علي الحقوق مهما كانت درجة قرابة الأفراد من السلطة.
إن هذه النقاط ليست هي نهاية المطاف ، ولكننا نرى إذا كان إعادة البناء النفسي سيؤخذ موضع التنفيذ، أن تُشكل هيئة أو لجنة لصياغة وتحديد النقاط التي ستنطلق منها الأمة نحو البناء النفسي لشعوبها.
أما البناء العسكري ، والذي لا محالة منه ، قبلنا أم أبينا؛ لأن المحافظة علي أرضنا ومقدراتنا تحتم علينا أن يكون بين أيدينا الأدوات التي نحمي بها أنفسنا ، أو نرهب بها عدونا حتى لا يتعدى علينا أو يستعدي الآخرون ، أو نحكم بغير شرع الله .
فتحديد الأموال الكافية واللازمة في الموازنات السنوية لشراء المعدات والأسلحة العسكرية ، أو لبناء المصانع المتخصصة لإنتاج مثل هذه النوعية ، وحماية الأموال من العبث والتلف ، سواء أكانت مع الأفراد أو تحت سيطرة المسئولين ؛ لهو أمر ضروري ومُلزم للحكومات أن يكون ضمن مهامها الأساسية .
وتأهيل وتدريب الكوادر العسكرية اللازمة والمنوطة بإدارة النواحي العسكرية ، بات أمراً حتمياً أن يأخذ بعين الاعتبار الضروري والملح نحو إعادة البناء العسكري للأمة، مع الكف عن تسريح الكوادر الصالحة والمهيئة لحمل مثل هذه الأمانة من عملهم لمجرد انتمائهم الفكري.
قال تعالي (وأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ ومِن رِّبَاطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وعَدُوَّكُمْ وآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ومَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إلَيْكُمْ وأَنتُمْ لا تُظْلَمُونَ (60) وإن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ (61) [الأنفال].
(إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ). [الزمر:2].
(اللَّهُ الَّذِي أَنزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ). [الشورى:17].
(الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ). [إبراهيم:1]..
خليل الجبالي