تزوج عبد الله والد النبي صلى الله عليه وسلم آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن حكيم؛ وعمره ثماني عشرة سنة ، ولما دخل بها حملت برسول الله صلى الله عليه وسلم، وسافر والده عبد الله عقب ذلك بتجارة له إلى الشام فأدركته الوفاة بالمدينة (يثرب) وهو راجع من الشام ، ودفن بها عند أخواله بني عدي بن النجار، وكان ذلك بعد شهرين من حمل أمه آمنة به صلى الله عليه وسلم.
ولما تمت مدة الحمل ولدته صلى الله عليه وسلم بمكة المشرفة في اليوم الثانى عشر من شهر ربيع الأول من عام الفيل، الذي يوافق سنة 571 من ميلاد المسيح عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم، وهو العام الذي أغار فيه ملك الحبشة على مكة بجيش تتقدمه الفيلة قاصدًا هدم الكعبة (البيت الحرام) فأهلكهم الله تعالى.
كانت ولادته صلى الله عليه وسلم في دار عمه أبي طالب في شِعْب بني هاشم، -أي: مساكنهم المجتمعة في بقعة واحدة-، وسماه جده عبد المطلب (محمدًا) ولم يكن هذا الاسم شائعًا إذ ذاك عند العرب ولكن الله تعالى ألهمه إياه فوافق ذلك ما جاء في التوراة من البشارة بالنبي الذي يأتي من بعد المسيح صلى الله عليه وسلم مسمى بهذا الاسم الشريف. وكانت قابلته صلى الله عليه وسلم اسمها الشفاء أم عبد الرحمن بن عوف، وحاضنته هي أم أيمن بركة الحبشية أَمَة أبيه عبد الله.
وقد أرضعته أمه صلى الله عليه وسلم عقب الولادة، ثم أرضعته ثويبة أَمَة عمه أبي لهب أيامًا، ثم جاء إلى مكة نسوة من البادية يطلبن أطفالًا يرضعنهم ابتغاء المعروف من آباء الرضعاء على حسب عادة أشراف العرب، فإنهم كانوا يدفعون بأولادهم إلى نساء البادية يرضعنهم هناك حتى يتربوا على النجابة والشهامة وقوة العزيمة، فاختيرت لإرضاعه صلى الله عليه وسلم من بين هؤلاء النسوة (حليمة) بنت أبي ذؤيب السعدية؛ من بني سعد بن بكر من قبيلة هوازن التي كانت منازلهم بالبادية بالقرب من مكة المكرمة، فأخذته معها بعد أن استشارت زوجها (أبو كبشة) الذي رجا أن يجعل الله لهم فيه بركة، فحقق الله تعالى رجاءه وبدل عسرهم يسرًا، فَدَرَّ ثديها بعد أن كان لبنها لا يكفي ولدها ، ودَرَّت ناقتهم حتى أشبعتهم جميعًا بعد أن كانت لا تغنيهم ، وبعد أن وصلوا إلى أرضهم كانت غنمهم تأتيهم شباعًا غزيرة اللبن مع أن أرضهم كانت مجدبة في تلك السنة، واستمروا في خير وبركة مدة وجوده صلى الله عليه وسلم بينهم. ولما كمل له سنتان فصلته حليمة من الرضاع، ثم أتت به إلى جده وأمه