يتناول فريق من الكتاب قضية المواطنة علي نحو يستفز مشاعر المسلمين, فهم يصورون المواطنةعلي أنها لا تلتقي مع الشريعة, وهما نقيضان لا يجتمعان وضدان لا يتفقان.
ومن ثم يجب تنحية الشريعة من المنظومة السياسية للدولة حتي يضمن المواطنون حقوقا متساوية بصرف النظر عن الدين والعرق والجنس وهم بذلك يتجاهلون حركة التاريخ الإسلامي, وثوابت الشريعة, والذي لديه أدني معرفة بهما يدرك أن الشريعة توأم المواطنة بل إن المواطنة ولدت من رحم الشريعة الإسلامية الغراء فإذا تأملنا في التاريخ المصري القديم قبل الفتح الإسلامي لها نجد أن الشعب المصري كان يرزح تحت وطأة التمييز العرقي والجنسي والديني. يقول الدكتور غوستاف لوبون في كتابه حضارة العرب( تعريب عادل زعيتر الفصل الرابع ص336 العرب في مصر).
هبطت مصر إلي خضيض الانحطاط الذي لم ينشلها منه سوي الفتح العربي وكان البؤس والشقاء مما كانت تعانيه مصر التي كانت مسرحا للاختلافات الدينية الكثيرة في ذلك الزمن وكان أهل مصر يقتتلون ويتلاعنون بفعل تلك الاختلافات, وقل مثل ذلك في سائر الأقطار والبلاد فكان حالها أسوأ كثيرا من مصر.. تمييز عنصري وديني.
إن الشريعة الإسلامية التي
وسعت الانسانية كلها في خطاب واحد يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجلعناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم, أفلا تسع الأديان الأخري في الوطن الواحد وكلها منزلة من عند الله.
وقد استلهم عمرو بن العاص, الذي حمل راية العدل والمساواة, المعاني والقيم المستمدة من الشريعة الإسلامية حينما دخلت جيوشه الإسكندرية, وتقول الروايات القبطية القديمة إن عمرو بن العاص عرف لأول مرة بعد فتح الإسكندرية من أحد المواطنين الأقباط أن الأنبا بنيامين بطريرك أقباط مصر قد أختفي هربا من اضطهاد الرومان المذهبي ولم ينتظر عمرو بن العاص وبادر بالكتابة إلي قواده في جميع أنحاء مصر يقول لهم: إن المكان الذي يعيش فيه بنيامين بطريرك النصاري من القبط المصريين له العهد والأمان والسلامة من الله وعليه أن يحضر آمنا مطمئنا إلي الإسكندرية ليدير حال رعيته وسياسة طائفته وسمع البطريرك وهو في مخبئه في أحد كهوف الصحراء بذلك فظهر من مكان اختفائه وبادر بالعودة إلي الإسكندرية بعد غيبته13 سنة وفرح الشعب القبطي كله بعودته.
إن مبدأ المواطنة بلغ ذروته تحت مظلة الشريعة وأصبحت المواطنة مبدأ إنسانيا عن جابر بن عبدالله قال: مرت جنازة فقام النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ فقلنا يارسول الله إنها جنازة يهودي فقال صلي الله عليه وسلم: أو ليست نفسا إذا رأيتم الجنازة فقوموا أخرجه البخاري أي مشاعر هذه التي كانت تجيش في نفس صاحب الشريعة وأي آفاق عالية تتطامن أمامها كل المناهج والمبادئ والمثل العليا إنها الانسانية الراقية السامية المبرأة من كل عصبية المنبثقة من الشريعة الإسلامية.
ولقد تأصلت هذه المبادئ في نفس عمر بن الخطاب رضي الله عنه ـ فقام بتطبيق مبدأ المواطنة أن يكون لأصحاب الأديان الأخري الحقوق الكاملة يحتفظون بعقائدهم وشعائرهم الدينية لا ينتقص منها شئ.
لما قدم عمر بن الخطاب إلي بيت المقدس دخل كنيسة القيامة وحضرته الصلاة فقال له البطريرك: صل موضعك فأمتنع عمر وخرج من الكنيسة فصلي قريبا من بابها وصلي وحده, فلما فرغ من صلاته قال للبطريرك: لو صليت داخل الكنيسة لأخذها المسلمون بعدي وقالوا: هنا صلي عمر وكتب لهم ألا يجمع علي الدرجة للصلاةـ درجة المسلم كما أمر ألا يؤذن عليها.
ولذلك صلي عمر بن الخطاب رضي الله عنه منفردا وقد عاش أصحاب الديانات السماوية أخوة متحابين لأن الإسلام قاسم بين الديانات كلها, فالمسلمون يؤمنون بموسي ويوقرونه ويعتبرون التهجم عليه كفرا بالإسلام وهم كذلك يؤمنون بعيسي ويكرمون مولده وينزهون نسبه ويرون الطعن في عفاف أمة كفرا بالإسلام وهو يضمون إلي إيمانهم بهؤلاء الأنبياء إيمانا بمحمد صلي الله عليه وسلم وقرآنه.
وإذا كانت المواطنة تعني مشاركة أصحاب الأديان في سياسة الدولة فإن التاريخ الإسلامي ينبئنا بأن الأقباط واليهود في ظل الشريعة تولي الكثير منهم المناصب الإدارية والمالية في الدولة الإسلامية بل وتقلد منهم المناصب الوزارية للخلفاء. وظلت المواطنة قائمة في المجتمع حتي بعد انحسار الشريعة في مجال القانون.
وبلغت الشريعة من السمو بالمواطنة بأن أباحت لغير المسلمين من الأموال والمعاملات ما حرمتها علي المسلم.
وقد توج الدستور هذه المعاني السامية بأن نص في المادة الثانية منه علي أن مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع.
====================================================
بقلم:د/ مصطفي فرغلي الشقنقيري