حكم تزويج الخاطب الصالح
بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الشيخ الفاضل، موضوع سؤالي هو الزواج. الرسول الكريم يقول في الحديث الشريف: " إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه". وهذا ما حصل ، حيث تقدم لي شاب يملك هذه الصفات وأهلي موافقون وهم على علم بهذا الحديث وعلى علم أيضاً بمصلحتي، سؤالي: هل ينالني إثم على عدم الموافقة؟ مع العلم بأني مشغولة الآن بطلب العلم الشرعي ونفسي لا تتوق إلى الزواج أرجو منكم الإجابة على هذا السؤال.
بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فلا إثم عليك أيتها الأخت الكريمة في عدم الموافقة على الزواج من هذا الشاب صاحب الدين والخلق ، وتفرغك لتحصيل العلم الشرعي.
روى الترمذي بإسناد حسن عن أبي حاتم المزني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير.. قالوا يا رسول الله وإن كان فيه. قال: إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه – ثلاث مرات".
وروى أيضا عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض ).
ففي هذين الحديثين توجيه الخِِطاب إلى الأولياء أن يزوجوا بناتهم من يخطبهن من ذوي الدين والأمانة والخلق . وإن لم يفعلوا ذلك بعدم تزويج صاحب الخلق الحسن، ورغبوا في الحسب، والنسب، والجاه، والمال ؛ كانت الفتنة والفساد الذي لا آخر له.
هذا عند الرغبة في الزواج إذا كان مستحبا أو واجباً؛ فيجب تزويج الخاطب الصالح .
أما عند عدم الرغبة فيه وعدم وجوبه فلا تجب تلبية الخاطب وتزويجه على الأولياء ، وإذا رغب فيه الأولياء فالمرأة لها الحق في عدم القبول ، ولا إثم عليها ، وذلك لأن الزواج في أصله مسنون ، يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه ، ما لم يوجد الدواعي إليه ـ كالخوف من الفتنة ـ فيجب ، أو الموانع منه ـ كظلم الزوجة ـ فيحرم .
يقول الشيخ عطية صقر ، رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقا:
الزّواج في أصله سُنّة الحياة من أجل بقاء النوع الإنسانيّ، وسنة الأديان التي تنزّلتْ على الرسل: (ولَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْواجًا وذُرِّيّة) (سورة الرعد : 38) وقال ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ فيما رواه الترمذي "أربعٌ من سُنَن المُرسَلِين: الحِنّاء والتعطُّر والسِّواك والنِّكاح".
وقد أمر الإسلامُ به مَن استطاعَه، أما غير المُستطيع فلا حَرَجَ عليه، بل يشغل نفسَه بعبادة أخرى حتى لا يقَع في مكروه، قال تعالى: (ولْيَسْتَعْفِفْ الذينَ لا يَجِدونَ نِكاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِه) (سورة النور : 33) وقال ـ صلّى الله عليه وسلم ـ "يا مَعشرَ الشّباب من استطاع منكم الباءةَ فليتزوجْ، فإنه أغضُّ للبصر وأحصنُ للفرْج، ومن لم يستطِع فعليه بالصوم فإنّه له وِجاء" رواه البخاري ومسلم.
فما دام الإنسان غير مستطيع فلا ذنب عليه، أما إذا استطاع ولم يتزوّج فإن خاف على نفسه الزِّنى وجب عليه أن يتزوَّجَ، وإن لم يخَف كان الزواج بالنسبة له سنة يُثاب عليه ولا يُعاقَب على تَركِه.
ويقول النووي في المفاضلة بين الزواج و تركه: إن النّاس فيه أربعة أقسام:
أ ـ قسم تتوق إليه نفسُه ويجد المُؤن، فيُستحَبّ النّكاح.
ب ـ وقسم لا تتوق ـ أي نفسُه ـ ولا يجد المُؤن، فيُكره النّكاح.
جـ ـ وقسم تتوقّف ـ أي نفسُه ـ ولا يجد المؤن، فيُكره له، وهذا مأمور بالصّوم لدفع التّوَقان.
هـ ـ وقسم يجِد المؤن ولا تتوق، فمذهب الشافعي وجمهور أصحابنا أن ترك النّكاح لهذا والتخلّي للعِبادة أفضل، ولا يُقال: النكاح مكروه، بل تركه أفضل، ومذهب أبي حنيفة وبعض أصحاب الشافعيّ وبعض أصحاب مالك أن النكاح له أفضل . (انتهى)
ومع هذا فمن الأفضل لك أيتها الأخت الكريمة أن تنتهزي هذه الفرصة الطيبة ، ولا مانع من تحصيل العلم الشرعي مع الزواج ، ولك أن تشترطي على الخاطب ذلك .
والله أعلم.