اسمه:
محمود محمد شلتوت.
الميلاد:
ولد الشيخ الإمام محمود شلتوت سنة 1893م في منية بني منصور من أعمال مركز إيتاي البارود.
نشأته ومراحل تعليمه:
حفظ الشيخ الإمام محمود شلتوت القرآن الكريم في قريته، ثم التحق بمعهد الإسكندرية الديني سنة 1906م، وكان أول فرقته في جميع مراحل الدراسة، ونال شهادة العَالِمية سنة 1918م، وكان أول الناجحين فيها.
ثم عُيِّن مُدرِّسًا بمعهد الإسكندرية الدِّيني في أوائل سنة 1919م، وفي هذا العام قامت الثورة الشعبية المصرية القوية بزعامة سعد زغلول، وقد شارك فيها الشيخ الإمام بقلمه ولسانه وجرأته المعهودة فيه.
ولَمَّا عُيِّن الإمام المراغي شيخًا للأزهر رأى الانتفاع بالشيخ الإمام محمود شلتوت نظرًا لمواهبه الفذة، وثقافته الواسعة، وحبه للتجديد والإصلاح، فنقله إلى القاهرة مُدَرِّسًا بالقسم العالي، وكان يرأسه في وقتها الشيخ الإمام عبد المجيد سليم، الذي ولي مشيخة الأزهر فيما بعد.
وقد كتب الشيخ الإمام محمود شلتوت عدة مقالات في جريدة السياسة القومية، يدعو فيها إلى الأخذ بالمبادئ التي ذكرها الإمام المراغي في مذكرته المعروفة لإصلاح الأزهر.
وكان بين رجال الأزهر من يقاوم هذه الحركة الإصلاحية، وكان الملك لا يرتاح إلى هذه الحركة، فقامت العقبات في طريقها فاستقال الشيخ المراغي على الرغم من مكانته العلمية بين المستنيرين من علماء الأزهر وطلابه.
وولي المشيخة الإمام الظواهري، وكان من رجال الإصلاح، ولكنه كان يرى التأني ومراعاة الظروف، والتفاهم مع ولاة الأمور في تنفيذ خطوات الإصلاح، وقابله كثير من العلماء والطلبة بثورة عاتية، فقابل ثورتهم بالشدة والعنف، ففصل الشيخ شلتوت من منصبه، كما فصل عشرات من صفوة علماء الأزهر الذين كانوا في طليعة المصلحين؛ لأنه نظر إليهم بوصفهم من مؤيدي الشيخ المراغي، وممن يناصبونه العداء.
وبعد فصله اشتغل بالمحاماة أمام المحاكم الشرعية، وفي شهر فبراير سنة 1935م أعيد إلى عمله بالأزهر مع إخوانه المفصولين، فعُيِّن مُدَرِّسًا بكلية الشريعة، ولما عاد الإمام المراغي إلى المشيخة عينه وكيلا لكلية الشريعة.
ولَمَّا دعي الأزهر للاشتراك في مؤتمر القانون الدولي المقارن، المنعقد بمدينة لاهاي في هولندا في أغسطس سنة 1937م، اختار المجلس الأعلى للأزهر فضيلة الشيخ الإمام محمود شلتوت عضوًا في الوفد الذي يمثله في هذا المؤتمر، فتقدَّم فضيلته إلى المؤتمر برسالة قيمة عن المسؤولية المدنية والجنائية في الشريعة الإسلامية، ونالت الرسالة استحسان أعضاء المؤتمر وإعجابهم، فأصدروا قرارًا بصلاحية الشريعة للتطور، وأنها مصدر من مصادر التشريع الحديث، وأنها أصيلة وليست مقتبسة من غيرها من الشرائع الوضعية ولا متأثرة بها، كما أصدر المؤتمر قرارًا بأن تكون اللغة العربية إحدى لغات المؤتمر في دوراته المقبلة، وأن يدعى إلى هذا المؤتمر أكبر عددٍ ممكن من علماء الشريعة على اختلاف المذاهب والأقاليم.
وفي سنة 1939م عُيِّن الشيخ مُفتِّشًا بالمعاهد الدينية، فكانت ملاحظاته وتقريراته دراسات شاملة نافعة لأحوال المعاهد الدينية في مختلف النواحي العلمية والإدارية، ورأى فضيلة الإمام المراغي أن يعيده مرة ثانية وكيلا لكلية الشريعة ليمكنه من تحقيق برامجه الإصلاحية فيها.
مناصب هامة:
وفي سنة 1941م تقدم الإمام الأكبر برسالته (المسؤولية المدنية والجنائية في الشريعة الإسلامية) إلى جماعة كبار العلماء لنيل عضويتها، وقد فاز بها بإجماع الأعضاء.
وكان أول نشاط قام به في هذه الجماعة أن تقدم إليها باقتراح إنشاء مكتب علمي للجماعة، تكون مهمته معرفة ما يهاجم به الدين الإسلامي والرد عليه وبحث المعاملات التي جدت وتجد، ووضع مؤلف في بيان ما تحتوي عليه كتب التفسير المتداولة من الإسرائيليات، وتنقية كتب الدين من البدع والخرافات وقد ألفت لجنة لهذا الغرض برئاسة المغفور له الأستاذ عبد المجيد سليم، وكانت هذه اللجنة إرهاصًا بإنشاء مجمع البحوث الإسلامية فيما بعد، وكان للأستاذ الشيخ شلتوت الفضل في اقتراحه ومتابعة المطالبة بإنشائه حتى تمَّ له النجاح، وظهر المجمع إلى الوجود في عهد مشيخته ولا يزال يؤدي دوره العالمي الخالد إلى الآن.
وفي سنة 1946م صدر قرار بتعيين فضيلته عضوًا بمجمع اللغة العربية وانتدبته جامعة فؤاد (جامعة القاهرة حاليا) لتدريس فقه القرآن والسنة لطلبة دبلوم الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق، فأدى مهمته خير أداء.
وفي سنة 1950م عُيِّن مُرَاقِبًا عامًّا لمراقبة البحوث والثقافة الإسلامية بالأزهر، واستطاع في الفترة الوجيزة التي أشرف فيها على هذه المراقبة أن ينهض بها، وأن يوثق صلاتها بالعالم الإسلامي في مختلف القارات.
وفي سنة 1957م اختاره السيد محمد أنور السادات سكرتير عام المؤتمر الإسلامي -رئيس الجمهورية اللاحق- مستشارًا للمؤتمر الإسلامي، ثم تم تعيينه وكيلا للأزهر فنهض بأعبائه وأدَّى رسالته خير أداء.
وكان مع هذا كله عضوًا في اللجنة العليا للعلاقات الثقافية الخارجية وعضوًا في مجلس الإذاعة الأعلى، ورئيسًا للجنة العادات والتقاليد بوزارة الشؤون الاجتماعية، وعضوًا في اللجنة العالمية لمعونة الشتاء، كما كان من كبار المؤسسين لدار (التقريب بين المذاهب الإسلامية) التي قامت لإزالة الجفاء وتوثيق الصلات بين الطوائف الإسلامية، وبخاصة بين طائفة السنة وطائفة الشيعة، وكان له مكان الصدارة في كل هيئة يشترك فيها بما يبذله من آراء قيمة، وجهود مضنية، ودراسات علمية عميقة.
وكان مع هذا كله يتحدث في الإذاعة صباحًا، ويُحاضر في شتَّى الجمعيات الثقافية مساء، ويكتب في الصحف والمجلات، ويشارك في مختلف الندوات في العاصمة والأقاليم، ويخطب الجمعة بالمسجد الذي أنشأه محمد علي في قصره بالمنيل، ويرد على الرسائل، ويفتي في المشكلات، ويلتقي بزعماء المسلمين، ويحاضر في الكليات، ثم يتابع تأليف الكتب والأبحاث.
مكانته العلمية:
كان الشيخ الإمام محمود شلتوت ممتازًا في شخصيته، ممتازًا في خُلقه، ممتازًا في طبيعته، فاحتلَّ مكانة سامية في فقه الشريعة الإسلامية أتاحت له أن يكون المرجع الأكبر في عصره لطلاب المعرفة في كل ما يتعلق بمشكلات العصر الحديث وموقف الإسلام منها، وقد أعانه على بلوغ هذه المنزلة، ما يلي:
- مواهبه الشخصية، فقد كان الشيخ الإمام -رحمه الله- يتمتع بذكاء حاد، وذاكرة قوية، وحب للبحث والقراءة والاستيعاب، وبصيرة ملهمة في فقه ما يستوعبه من دراسات.
- تعمق الشيخ الإمام في القراءة والبحث والدراسة ما شاء الله له أن يتعمق، فدرس آراء أهل السنة والمعتزلة وغيرهم، كما درس المذاهب الأربعة ومذهب الشيعة الإمامية، والشيعة الزيدية، ومذهب الظاهرية، ومذهب الإباضية، وأعانته على ذلك بصيرته النَّافذة والتفكير اللمَّاح من إدراك الحقيقة في ثنايا هذه المذاهب وغيرها.
- أفادته تجاربه العديدة ومباشرته لكثير من الأعمال الثقافية الهامة في الإذاعة والمؤتمر الإسلامي ووزارة الشؤون الاجتماعية وغيرها، أفادته في الاتصال بالمشكلات الاجتماعية العديدة، والبحث عن حلول مناسبة لها في نطاق الشريعة الإسلامية كما أفادته رحلاته العديدة في أنحاء العالم وصلاته بكبار زعماء العالم الإسلامي وكبار المستشرقين في معرفة كثير من الحقائق وألوان المعارف العديدة التي لم تتح لغيره من الشرعيين.
مؤلفاته:
ترك الشيخ الإمام محمود شلتوت ثروة طائلة من الأبحاث والدراسات القيمة، ومن أهم مؤلفاته:
- فقه القرآن والسُّنة.
- مقارنة المذاهب.
- يسألونك، وهو إجابة عن أسئلة تلقَّاها عن طريق الإذاعة.
- منهج القرآن في بناء المجتمع.
- المسؤولية المدنية والجنائية في الشريعة الإسلامية، وهي الرسالة التي ألقاها الإمام في مؤتمر القانون الدولي المقارن في لاهاي، وقد نال بها عضوية جماعة كبار العلماء.
- القرآن والقتال.
- القرآن والمرأة.
- تنظيم العلاقات الدولية الإسلامية.
- الإسلامية والوجود الدولي للمسلمين.
- تنظيم النسل.
- رسالة الأزهر.
- إلى القرآن الكريم.
- الإسلام عقيدة وشريعة.
- من توجيهات الإسلام.
- الفتاوي، وهي تعبر عن رأي الإمام في كثير من المشكلات العصرية والاجتماعية.
- تفسير القرآن الكريم (الأجزاء العشرة الأولى)، ويمتاز هذا التفسير بجعله السورة وحدة متكاملة مترابطة متسلسلة، كما يمتاز هذا التفسير بالتزامه تفسير القرآن بالقرآن، وتنقية تفسيره من الإسرائيليات وأمثالها من الأساطير، وقد راعى فيه القصد والاقتصار على المعاني القرآنية دون استطراد.
ولايته للمشيخة:
في الثالث عشر من شهر أكتوبر سنة 1958م صدر القرار الجمهوري بتعيين الشيخ الإمام محمود شلتوت شيخًا للأزهر، وما كاد يلي هذا المنصب الكبير حتى ركَّز جهوده في إنشاء مجمع البحوث الإسلامية الذي كان يتطلَّع إلى إنشائه، ويرى فيه رابطة عِلْمِيَّة ورُوحِيَّة وثيقة، تشدُّ أَزْرَ المسلمين جميعًا، وتزيل ما بينهم من خلافات بثَّها الاستعمار، ونَمَّتها القرون، ومن البواعث التي دعت إلى إنشاء هذا المجمع الإسلامي: ربط الجمهورية العربية المتحدة (في هذا الوقت) بالعالم الإسلامي كله، فصدر القرار الجمهوري بإنشائه ضمن القانون رقم 103 لسنة 1961م بشأن تنظيم الأزهر والهيئات التي يشملها.
التقريب بين المذاهب الإسلامية:
كان الإمام الراحل يتطلع إلى تحقيق الوحدة الإسلامية كما تطلع إليها غيره، بعد أن تفرَّق شمل المسلمين ومزقتهم العصبيات الجنسية، والفروق المذهبية والخلافات الطائفية، فبدأ جهاده في جماعة التقريب بين طائفتي السُّنة والشيعة، والشيعة منتشرة في البلاد العربية، وهم يؤمنون بالله ورسوله واليوم الآخر، ويؤدون أركان العبادات، كما يؤديها أهل السنة تمامًا، وقد وسَّع الاستعمار شقة الخلاف بين الطائفتين ليتمكن من تمزيق شمل المسلمين وتسخيرهم لخدمة أغراض الاستعمار المادية، ومن هنا بدأ الإمام في الدعوة إلى التقريب، وتقريرًا للحقيقة والواقع التاريخي نذكر أن الشيخ الإمام محمود شلتوت لم يبتكر دعوة التقريب ولم ينفرد بها، ولكنه قدَّم إليها من الدعم الفكري والبحث الفقهي ما دفعها ومكَّن لها في نفوس المؤمنين المخلصين في جميع الأقطار الإسلامية.
وفاته:
مرض الإمام ولكن المرض لم يؤثر على روحه المعنوية ولا على ذكائه الوقاد، ولم يعقه عن أداء عمله، ثم استدعى المرض أخيرًا إجراء عملية جراحية له تمت بنجاح واستبشر أصدقاؤه ومحبوه خيرًا، ولكنها كانت خفقة السراج وصحوة الموت، فإن أمر الله نافذ لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه، ولكل أجل كتاب، فعرجت روحه إلى بارئها في مساء ليلة الجمعة (ليلة الإسراء والمعراج) وأدَّى المصلون عليه صلاة الجنازة في السابع والعشرين من شهر رجب سنة 1383هـ الموافق 13 من ديسمبر سنة 1963م.
مصادر ترجمته:
- الأزهر في اثني عشر عامًا، نشر إدارة الأزهر.
- شيوخ الأزهر، تأليف: أشرف فوزي.
- مشيخة الأزهر منذ إنشائها حتى الآن، تأليف علي عبد العظيم.