و القرآن يعرض مسألة لإثبات طلاقة القدرة الإلهية في سورة مريم .. يأتي ليثبت قضية من القضايا التي اعتاد فيها الناس الأسباب و المسببات .. و هي مسألة بقاء النوع .. و بقاء النوع مشروط بالتقاء رجولة و أنوثة لينشأ اخصاب و حمل .. و لابد أن تكون الرجولة مكتملة .. و الأنوثة غير ناقصة ليتم ذلك .. فيأتي الله سبحانه و تعالى ليثبت لنا طلاقة القدرة الإلهية بلا حدود و لا قيود .. حتى لا يفهم الإنسان أن الخلق مقرون بأسباب و مسببات لابد من وجودها .. و من هنا فأن الله في قضية الخلق يريد أن يدير المسألة من زواياها الأربع .. فليس بقاء النوع أو إيجاد النوع رهنا بوجود ذكر أو أنثى .. بل هو رهن بمشيئة الخالق .. و من هنا فإن الله سبحانه و تعالى يخلق رجلا بلا ذكر و لا أنثى .. و يخلق من رجل و أنثى .. و يخلق من أنثى بلا ذكر .. و بذلك تكون أركان الخلق الأربعة قد اكتملت ..
و لنشرح ذلك قليلا .. الله خلق آدم أول الخلق من غير ذكر و لا أنثى فآدم لم يكن له أب و لا أم و إنما خلقه الله سبحانه و تعالى .. و نفخ فيه من روحه .. هذه واحدة .. خلق من غير ذكر و لا أنثى .. و خلق الله حواء على الأرجح من الذكر دون الأنثى .. ثم خلق البشرية كلها من الذكر و الأنثى بقى شئ في الخلق أن يخلق الله من الأنثى بلا ذكر .. فتأتي مسألة عيسى عليه السلام .. يأتي بقية الكون كله من البشر .. و يأتي عيسى عليه السلام من أنثى لم يمسسها رجل .. و من هنا تكون القسمة للخلق أربعة .. فأصل الخلق كما أراد الله أن يكون .. و جعل له الأسباب هو من ذكر و أنثى .. و لكن الله سبحانه و تعالى أراد أن يكون النشء من غير وجودهما معا ، فخلق آدم .. و من وجود الرجل وحده ، فخلق حواء من آدم .. و من وجودهما معا فخلق الكون كله .. و جعله يتناسل .. و من وجود الأنثى دون الرجل .. فخلق عيسى .. و بذلك تكون أوجه الخلق كلها قد اكتملت ..
إلا إننا يجب أن ننتبه إلى شئ هام .. خلق الإنسان .. بدون ذكر أو أنثى .. معجزة تخضع لله سبحانه و تعالى .. خلق الأنثى من الرجل وحده معجزة تخضع لإرادة الله سبخانه و تعالى .. خلق الرجل من الأنثى فقط دون أن مسها رجل .. معجزة جعلها الله سبحانه و تعالى .. خلق الإنسان من ذكر و أنثى .. معجزة جعلها الله تمضي في الدنيا بالأسباب و المسببات .. و لكته لم يطلقها لتتم بالأسباب و المسببات وحدها .. فأدخل فيها المشيئة .. و قال سبحانه و تعالى :
"و يجعل من يشاء عقيماً"
إذن كل معجزة الخلق التي تمت إنما تخضع لمشيئة الله سبحانه و تعالى .. فليس وجود النوعين موجبا لأن يوجد الخلق ..
لَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ ﴿49﴾ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ﴿50﴾
(سورة الشورى)
المسألة ليست وجود مسببات .. و لكن الله سبحانه و تعالى حين يريد للأسباب أن تفعل .. تفعل .. و حين يريدها أن تتعطل .. تتعطل .. و حين يريد أن تأتي بالعلل دون الأسباب يأتي بها فلا قيود و لا حدود لقدرة الله سبحانه و تعالى ..