إذا وصلنا إلى ذلك .. نكون قد تحدثنا عن أول شروط البلاغة .. و هي مطابقة الكلام لمقتضى الحال .. و نجد أن القرآن في هذه الناحية قد تخطى كل شروط البلاغة في أنه مطابق لكل أحوال البشر .. على اختلاف ظروفهم .. و لذلك تحير الكفار في هذا الاعجاز في مخاطبة البشر جميعا .. و في هذا الإعجاز الذي تهتز له قلوب كل من يسمعه و يفهمه .. فقالوا ساحر .. سحر الناس بكلامة .. لأنه لا يمكن لبشر عادي أيا كان أن يأتي بكلام يطابق كل الأحوال .. و لو أخذنا أبلغ بلغاء العصر .. و قلت له انظم قصيدة .. أو أعد كلاما لتلقيه أمام الناس .. فهو لا يستطيع أن يعد كلاما يقوله أمام مجموعة من غير المتعلمين .. و يكون الكلام مطابقا لمقتضى الحال .. و لا أن يعد قصيدة يمدح بها اميرا .. ثم يقول نفس القصيدة في خادم الأمير .. و يكون الكلام مطابقا لمقتضى الحال .. و لكنهم وجدوا أن القرآن يخاطب المتعلم و غير المتعلم .. و العبد و السيد .. و الرجل العادي و الحاكم .. و من هنا كانت المطابقة معجزة .. فقالوا ساحر .. فليأتوا بسحر مثله ..
ثم هل للمسحور خيار أو ارادة مع الساحر .. إذا كان محمد عليه السلام قد سحر من آمن به .. فلماذا لم يسحركم أنتم .. ان بقائكم على الكفر و محاربة الدين ، دليل على أنه ليس ساحر .. و إلا لو كان ساحرا لكان قد سحركم جميعا .. و لم يسلب بعض الناس ارادتهم .. و يترك البعض الآخر على ارادته ..