نأتي بعد ذلك إلى شئ آخر .. قول الله سبحانه و تعالى:
(لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ) [سورة المجادلة]
ثم يقول الله سبحانه و تعالى:
(وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) [سورة لقمان]
يأتي المستشرقون .. و كل من يحاول التشكيك في هذا الدين يقولون ما هذا؟ في الآية الآولى .. الله سبحانه و تعالى ينهانا عن أن نود من حاد الله و رسوله .. و لو كانوا آباءنا .. و في الآية الثانية في سورة لقمان يقول:
"و إن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما و صاحبهما في الدنيا معروفا" ..
إذن في الآية الآولى يقول لا تودهم .. و في الآية الثانية يقول و صاحبهما معروفا .. كيف يمكن أن يستقيم؟ أمران مختلفان في نفس الشئ ..
نقول أنه ليس هناك أي اختلاف .. و لكنك لا تفهم دقة تعبير القرآن الكريم .. و اللفظ في القرآن الكريم .. و لنشرح ذلك بالتفصيل .. المعروف يفعله الرجل لمن يحبه بقلبه .. ومن لا يحب .. ذلك أنك يمكن أن تسير في الطريق تجد إنسانا لا تعرفه .. و لا تربطك به أي علاقة .. و لكنك تجده في مأزق فتسدي إليه معروفا لتنقذه .. كأن يكون قد فقد حافظة نقوده مثلا فتعطيه مبلغا من المال ليصل إلى منزله أو تقدم له معونة .. قد يكون جائعا فتعطيه ثمن الطعام .. أنت هنا تفعل معروفا عسى الله أن يجزيك عنه .. لا يربطك بالانسان الآخر أي صلة .. هذا هو المعروف .. و لكن المودة مكانها القلب .. هي في القلب .. أنت لا تود إلا من تحب .. لا تريد أن تجلس أو تعيش إلا مع من تحب .. المعروف لا يمس القلب .. و لكن المودة تمس القلب .. القلب في المودة يكون مع الشخص .. و القلب في المعروف لا يكون معه .. و إذا كان القلب مع إنسان غير مؤمن فهو قلب غير مؤمن .. و الله لا يجعل لك قلبين في صدرك .. مصداقا لقوله تعالى: "ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه"
إنما امتداد المعروف هو رضاء الله سبحانه و تعالى.. نأتي بعد ذلك إلى الآية الكريمة .. الله سبحانه و تعالى يقول في سورة المجادلة:
"لا تجد قوما يؤمنون بالله و اليوم الآخر يوادون من حاد الله و رسوله" ..
هنا استخدم الله سبحانه و تعالى كلمة الود .. و كلمة الود هي التي تمس القلب .. هنا لا تجد مثلا إنسانا مؤمنا يحب إنسانا يحارب الله و رسوله .. حتى ولو كانوا آباءهم أو أبنائهم .. الحب من داخل القلب .. من داخل النفس .. ثم يأتي الله سبحانه و تعالى في مسألة الوالدين .. و ينهانا إن حاولا أن يمسا الإيمان في قلوبنا أن نستخدم العنف ضدهما .. أو نفعل أي شئ .. و هم في هذه الحالة يكونون في سن كبيرة .. ضعفاء .. اقتربوا من نهاية العمر .. هؤلاء الذين قدموا لنا المعروف بأنهم قاموا بتربيتنا .. و بالسهر علينا .. يأمرنا الله سبحانه و تعالى أن نحتفظ لهم بالود إن كانوا مؤمنين .. و بالحب الكبير .. و إذا حاولوا أن يدخلوا الشرك في قلوبنا .. أو حاولوا أن يجعلونا نشرك بالله سبحانه و تعالى .. يطالبنا بألا نطعهما .. و لكن نصاحبهما في الدنيا معروفا .. أدب القرآن الكريم .. نفعل ذلك إرضاء لله سبحانه و تعالى .. و مكافأة للجميل .. و لكن القلب لا يودهم .. المعروف لمن تحبه و من لا تحبه .. أما الود فلمن تحب فقط .. أنت حين تسدي لهما معروفا .. أي تعاملهما معاملة حسنة .. و لكن ليس بقلبك .. لأنهما يحاولان أن يدفعاك للشرك .. تفعل ذلك إرضاء لله سبحانه و تعالى الذي يأبى ألا أن يكون رحيما حتى مع من يعصاه .. و الذي ينهانا عن أن نقابل الإحسان بالإساءة .. و المعروف شئ .. و الود شئ آخر تماما ..
أين هو التناقض الموجود .. هذه حالة .. و هذه حالة أخرى .. قلب مع الله لا يدخل فيه كافر .. و لا من يحاول أن يشرك به .. أما المعروف الذي أسديه إلى والدي فأمرني الله يه .. رحمة بهما .. كما ربياني صغيرا .. إذ أن مناقشة الإيمان بين الأب و والديه .. لا تتم إلا إذا بلغ الأبن مرتبة الرجولة .. و في هذه الحالة يكون الأب و الأم قد بلغا مرحلة الكهولة .. و علي أن أعاملهما بالمعروف رداً للجميل .. و ارضاء لله سبحانه و تعالى الذي لا يقبل الجحود .. لكن المعروف ليس بقلبي .. و هذا مختلف تماما عن ذلك ..