في ذكرى مولد رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم نستذكر قول الله في شأنه في القرآن:
﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا﴾ [الأحزاب: 45، 46].
﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة: 128].
﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾ [النساء: 64].
﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾ [آل عمران: 31].
﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107].
﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم: 4].
في ذكرى مولد الرسول نذكر بكتاب الله الذي أنزل عليه والذي قال الله في شأنه: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا﴾ [الإسراء: 9].
في ذكرى مولد الرسول ينبغي أن نقتدي به في خلقه, وفي إيمانه وعبادته وفي حبه لله وللمؤمنين امتثالا لقول ربنا: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾[الأحزاب: 21]، ينبغي أن نقتدي برسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سياسة الدين وسياسة الدنيا.
كيف واجه الصعاب, وتغلب عليها, وكيف صابر وثابر حتى بَلَّغَ رسالته, فتحول قومه من فرقة وتعصب وتفاخر بالأموال والأولاد إلى أمة واحدة تنتسب إلى الإسلام, وتؤمن به, وتقيم أوامره, وتجتنب ما نهى الله عنه, فأقام دولة وأحيا أمة في زمن قصير -ثلاثة وعشرين عامًا- لم ييأس ولم يبتئس بما وُوجِهَت به دعوته من نفور قومه بل وإيذائهم وحربهم إياه, وإنما فكر وقدر لكل أمر عدته وعتاده, كان حكيمًا في دعوته, حليمًا في إرشاده وهدايته, يعتمد على الإقناع في الردع عن المعاصي, وكان الزجر عنها الوسيلة الأخيرة عند الإصرار عليها .
جاءه أحد شباب المسلمين يستأذنه في الزنا فبماذا أجابه؟ هل سبه وشتمه, أو صفعه وقذفه؟ لا، لم يكن هذا خلقه ولا طريقه، وإنما كانت خطته تلك التي وضعها الله في قوله: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾[النحل: 125]، لقد دعا الشاب إلى الجلوس بجواره؛ ليحميه من ثورة مَنْ حوله ممن استمعوا إلى قوله، ثم حاوره: أترضى الزنا لأمك؟ فقال الشاب: لا، فقال الرسول: وكذلك الناس لا يرضونه لأمهاتهم، أترضاه لأختك؟ فقال: لا، فقال الرسول: وكذلك الناس لا يرضونه لأخواتهم.
وما زال الرسول يعرض عليه قرابته من النساء ويقول له: أترضى لهن الزنا؟ وهو يقول لا حتى أقنعه بأن ما طلبه إثم كبير في حق المجتمع، وكما لا يرضاه لنساء أسرته فإن أحدًا من الناس لا يرضاه كذلك لنسائه، وانصرف الشاب تائبًا عما نوى راغبًا في العفة مؤمنًا بأن عِرْض الناس عرضه.
في ذكرى مولد الرسول - صلى الله عليه وسلم - نذكر كيف عالج وواجه عسر المال, وضيق الحال وارتفاع الأسعار, هل كانت المواجهة بمزيد من السرف والإسراف والإنفاق والإتلاف والاستدانة؟ لا, إنه -صلى الله عليه وسلم- واجه العسر بتدبير موارده, وبالوقوف عند المقدور عليه, دون المزيد مما في أيدي الناس فقال: «حَسْبُ ابْنِ آدَمَ لُقَيْمَاتٌ يُقِمْنَ صَلْبَهُ» متّبعًا ما أوصى به القرآن:
﴿وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا﴾ [الإسراء: 29]، ﴿وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا﴾ [الإسراء: 26، 27].
-----------------------------------------------------------------
فضيلة الإمام الأكبر الشيخ جاد الحق علي جاد الحق