نذكر في ميلاد الرسول - صلى الله عليه وسلم - كيف كان حريصًا على العلم والتعليم, حيث جعله تبعة ومسؤولية, ولم يجعل العلم من الكماليات, فأوجب على العالم أن ينشر علمه وأن ييسره لغيره فقال -صلى الله عليه وسلم-: «وَيْلٌ لِلْعَالِمِ مِنَ الْجَاهِلِ حَيْثُ لَمْ يُعَلِّمْهُ»، فلولا أن السعي بالعلم إلى مستحقيه من الواجبات ما كان الويل للعالم أن ترك التعليم, فالمؤاخذة إنما تكون على ترك الواجب لا على إهمال التطوع.
ومن هنا كانت تبعة تربية الأولاد في كل جوانب الحياة تقع أولا على الآباء، ذلك قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: «حَقُّ الْوَلَدِ عَلَى الْوَالِدِ أَنْ يُعَلِّمَهُ الْكِتَابَةَ وَالسِّبَاحَةَ وَالرِّمَايَةَ، وَأَلَّا يَرْزُقَهُ إِلَّا طَيِّبًا» رواه البيهقي عن أبي رافع، وقوله: «أَلْزِمُوا أَوْلَادَكُمْ وَأَحْسِنُوا أَدَبَهُمْ» رواه ابن ماجه عن ابن عباس.
فبذل الجهد للتربية قصدًا إلى إشباع الجوانب النفسية لدى الأولاد ونمائها حتى يشبوا على المودة وحسن المعاشرة, والقدوة الحسنة في التعامل أمر محمود بل مفروض, وأولى من الانصراف عن هذه المهمة إلى جمع المال والممتلكات وتكديسها تركة زائلة إذا لم يحسن الأولاد استثمارها والانتفاع بها؛ ذلك توجيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في قوله: «مَا نَحَل - أَعْطَى - وَالِدٌ وَلَدًا أَفْضَلَ مِنْ أَدَبٍ حَسَنٍ» رواه الترمذي والحاكم.
وهذا هو الرسول - صلى الله عليه وسلم - يعلم ابن زوجته أم سلمة، وقد كان في حجره وربيبًا له حين جلس يؤاكله: «يَا غُلَامُ سَمِّ اللَّهَ وَكُلْ بِيَمِينِكَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ» البخاري ومسلم وابن ماجه وأحمد. هكذا كان معلمًا للسلوك والآداب في كل شيء ...
وليست تبعة تربية الأولاد مقصورة على الآباء, فقد أوضح الرسول -صلى الله عليه وسلم- هذه التبعة, بل التبعات بوجه عام في قوله -صلى الله عليه وسلم-: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ, الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ, وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ, وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» رواه البخاري عن ابن عمر والطبراني عن أنس بن مالك وغيرهما.
لا بد أن نعي هذه التبعات وأن نحملها عمليًّا, وإلا فالنُّذُر التي أَطَلَّت علينا خطيرة, تهدد مجتمعنا بالتحلل والانحلال وموات الروابط الأسرية التي عُنِيَ الإسلام بتوثيقها وحث على الاستمساك بها.
لا بد أن يحمل كلٌّ التبعة في موقعه: الآباء, والأمهات, والمدرسة, والأطباء, ورجال الدعوة والمهندسون, كل الناس.
إن تقويم الفرد المسلم وتأكيد انتمائه للإسلام إيمانًا وعملًا, وترسيخ القدوة برسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر حتم حتى تستقيم للأمة الحياة, ويتأتى هذا بالاهتمام بالتربية الدينية وتقويم السلوك والممارسة, واعتبار ذلك واجبًا في الأسرة, وفي المدرسة, وفي الشارع, ولا ننسى الحرص على إعداد المعلم على السلوك والقدوة الحسنة مؤمنًا بواجباته, حريصًا على أدائها.
-----------------------------------------------------------------
فضيلة الإمام الأكبر الشيخ جاد الحق علي جاد الحق