ثم يقول الحق تبارك و تعالى:(لاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَآءَ ) أي أن علم الله سبحانه و تعالى لا يمكن أن يحيط به أحد إلا ما يعطيه الله لمن شاء.. و هناك علم يعطيه الله لمن شاء من عباده.. و هناك علم يعطيه الله للبشرية كلها... و هناك علم يختص الله به نفسه ولا يعطيه لأحد من عباده.
و العلم الذي يعطيه الله لمن يشاء من عباده هو ما يعطيه الله لرسله و أوليائه الصالحين و هذا كشف بين الله و بين من شاء من عباده لا يمكن التحدث فيه لأنه عطاء محدود بالعبد ذاته. و مختص به و ليس موضوعا عاما للمناقشة..
أما العلم الذي يعطيه الله للبشرية كلها فهو العلم المادي الذي يكشف الله عنه للبشر جيلا بعد جيل.. و هذا العلم لكل جزء فيه ميلاد حدده الله سبحانه و تعالى فإذا صادف مولد من العلم إنسانا أو أناسا يبحثون و يجتهدون للوصول إليه أعطاه الله سبحانه و تعالى لهم.. و إذا لم يصادف هذا العلم أناسا يبحثون عنه أعطاه الله سبحانه و تعالى لهم.. و إذا لم يصادف هذا العلم أناسا يبحثون عنه أعطاه الله سبحانه و تعالى لهم.. و إذا لم يصادف هذا العلم أناسا يبحثون عنه أعطاه الله للبشرية بما نسميه (الصدفة).. كأن يكون هناك باحث يبحث عن شئ فيكتشف شيئا آخر مخالفا له تماما.. هذا الكشف الذي لم يأت مطابقا للبحث الذي يتم و إنما جاء بطريقة الصدفة يكون كشفا من الله لأن موعد ميلاد العلم للبشرية قد أتى.. و لذلك فإننا نسمع كثيرا عن عالم يجري بحثا عن نتائج معينة و فجأة و هو في أبحاثه يفاجأ بإكتشاف لم يكن يتوقعه و لا يعرف أنه سيصل إليه.. كيف تم ذلك؟ نحن نقول بطريق الصدفة.. و لكنه في الحقيقة هو موعد ميلاد العلم للبشرية.. و لذلك خرج إلى الوجود من علم الله إلى علم البشر بكلمة (كن).. لأن موعد ميلاده المحدد منذ الأزل قد حان.
هذا هو العلم البشري.. أما علم الله سبحانه و تعالى الذي يختص به نفسه فهذا لا يصل إليه بشر.. و هنا و نحن نأخذ المعنى الإجمالي للآية نجد أن الله سبحانه و تعالى يقول. و مهما كان علم أولئك الذين يتربصون بك.. و مهما أعدوا.. فإن الله هو الذي يعلم.. و بعلم فوق علمهم.. و يعلم ما يفسد هذا العلم و يجعله عاجزا.. كل هذا ليحس القلب المؤمن بالإطمئنان إلى قضاء الله.. و بأنه في أمان و أمن مادام الله سبحانه و تعالى يرعاه و يحرسه.