إن شعائر الله سبحانه وتعالي تحيط بحياتنا كلها, وهي متنوعة ومتعددة فمنها الشعائر الزمانية والشعائر المكانية يقول تعالي: ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوي القلوب وتعظيمها يكون بإجلالها وادائها برغبة ومحبة وشغف.
ومن الشعائر الزمانية في الإسلام شهر رمضان, ذلك الشهر الذي عظمه الله وانزل فيه كتابه وأمرنا بتعظيمه 'شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدي للناس وبينات من الهدي والفرقان'. البقرة.185
فهو شهر البعثة وهو شهر القرآن.
ذلك الشهر الذي فرض الله علينا صيامه وسن لنا رسوله صلي الله عليه وسلم قيامه, وهو شهر المواساة والاحسان ومد يد المساعدة إلي الآخرين, وشهر التراحم الذي تمتد فيه مشاعر الأخوة ومشاعر الود والتآلف بين عباد الله جميعا فيتصالح فيه المتخاصمون ويتواصل فيه المتقاطعون, ولقد جعل المصطفي صلي الله عليه وسلم شعار هذا الشهر 'يا باغي الخير اقبل ويا باغي الشر اقصر' سنن الترمذي 3/66.
وقد كان أول رمضان صامه المسلمون يوم الأحد في السنة الثانية من الهجرة الموافق السادس والعشرين من فبراير سنة624 م, وقد حبا الله رمضان بالكثير من الشعائر التي حدثت فيه, فكان فيه مبعث رسول الله صلي الله عليه وسلم وهو يتعبد في غار حراء حيث جاءه الملك في ليلة السابع والعشرين من رمضان سنة ثلاث عشرة قبل الهجرة وبدأ نزول القرآن الكريم علي رسول الله صلي الله عليه وسلم في ليلة القدر علي ارجح الاقوال.
وفي رمضان ايضا كان نزول صحف ابراهيم ونزول التوراة والانجيل, قال صلي الله عليه وسلم: ' انزلت صحف ابراهيم في أول ليلة من رمضان, والتوراة لست مضين من رمضان والانجيل لثلاث عشرة ليلة من رمضان.' سنن البيهقي 9/188.
وفي التاسع والعشرين من شهر رمضان في العام الثاني من الهجرة فرضت زكاة الفطر في المدينة المنورة, وزكاة الفطر يقال لها ايضا صدقة الفطر, وهي الزكاة التي يجب اخراجها علي المسلم قبل صلاة عيد الفطر بمقدار محدد ـ صاع من غالب قوت البلد ـ علي كل نفس من المسلمين, لحديث ابن عمر رضي الله عنهما في الصحيحين أن رسول الله صلي الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر من رمضان علي الناس صاعا من تمر أو صاعا من شعير علي كل حر أو عبد ذكر او انثي من المسلمين.صحيح البخاري 2/547 ويخرجها العائل عمن تلزمه نفقته. وقد شرعها الله تعالي طهرة للصائم من اللغو والرفث, واغناء للمساكين عن السؤال في يوم العيد الذي يفرح المسلمون بقدومه, حيث قال رسول الله صلي الله عليه وسلم:' اغنوهم عن طواف هذا اليوم' سنن البيهقي 3/278
خص الشرع الزكاة بمصارف محددة في قوله تعالي:' إما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل' [التوبة: 60] ومجموع هذه المصارف الشرعية يرجع إلي بناء الانسان وسد حاجته وفقره والعمل علي اخراجه من حالة الحاجة والمسكنه التي تعوق إسهامة في بناء المجتمع وتنميته إلي كونه عضوا فاعلا له اثره في الرقي والتعمير, وفي الشهر نفسه كان الأمر بشعيرة مهمة من شعائر الإسلام وهي الجهاد, وكانت فيه غزوة بدر الكبري التي أعز الله تعالي فيها أهل الحق مع قلة عددهم علي أهل الباطل مع كثرتهم, قال سبحانه:' ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون'[ ال عمران: 123 ]
وكذا وقعت في هذا الشهر المبارك كثير من الانتصارات بعد ذلك مرورا بفتح مكة في العام التاسع من الهجرة, ومعركة القادسية في رمضان سنة 15 هـ بقيادة سعد بن ابي وقاص, وكذلك معركة حطين علي يد القائد المظفر صلاح الدين الايوبي, وهكذا انتهاء بنصر الله للعرب والمسلمين في العاشر من رمضان الموافق للسادس من أكتوبر عام 1973 م. وفيه ايضا شرعت صلاة العيد, وقد ندب رسول الله صلي الله عليه وسلم إلي الاحتفال بعيد الفطر وعيد الأضحي, هذه الاعياد التي تعد مظهرا من مظاهر الفرح والسرور في الإسلام, وشعيرة من شعائره التي تنطوي علي حكم عظيمة, ومعان جليلة, فالإسلام لم يأت ليكون طوقا حول رقبة معتنقيه, بل جاء تلبية لحاجة الانسان الفطرية مادية وروحية, وكان مقصده الأسمي في تشريعاته واحكامه ضبط العلاقة بين الروح والجسد, وبين الدنيا والآخرة, فقال تعالي وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولاتنس نصيبك من الدنيا القصص: 77. تلك كانت أهم الشعائر التي شرعت في شهر رمضان المبارك, التي إن اردنا احصاءها لجاءت في كتاب لطيف, والمراد هو ان هذا الشهر محل للنفحات العظيمة من الله لعباده المؤمنين.
---------------------------------------------------------------
قلم: د. علي جمعة