جاءوا بإبراهيم .. و أمام آلهتهم و في حمايتها .. أوقدوا نارا هائلة ليحرقوه .. و الحرق هنا أمام الآلهة و على مشهد منها ليكون الإنتقام من إبراهيم إنتقاما تباركه الآلهة و تجعله رهيبا .. و جاءوا بالحطب و وقفوا أمام آلهتهم مصدر قوتهم .. و أوقدوا النار الهائلة .. كل شئ هنا معد لتمجيد آلهة غير الله سبحانه و تعالى .. و أتوا بإبراهيم .. و السؤال هنا لماذا جعلهم الله يأتون بإبراهيم ليحرقوه في النار أمام آلهتهم .. كان من الممكن أن يختفي إبراهيم في أي مكان .. و لا يظهر .. و كانت هذه المسألة ممكنة تقي إبراهيم الحرق و تجعلهم لا يعثرون عليه .. و لكن لو حدث هذا لقالوا لو أننا قبضنا على إبراهيم لاحرقناه .. و كانت ستظل قوة الآلهة المزيفة التي يعبدونها مسيطرة عليهم في أن لها قدرة النفع و الضر .. و إنها تنفع من يعبدها .. و تضر من يؤذيها ، و إنه لولا هرب إبراهيم لاحرق في النار و دمرته آلهتهم و هي الأصنام تدميرا .. و لذلك كان لابد ألا يهرب إبراهيم بل يقع في أيديهم ليشهد القوم جميعا سفاهة معتقداتهم و عجزها أمام قدرة الله ..
و كان من الممكن أن تنطفئ النار لأي سبب من الأسباب .. كأن ينزل المطر من السماء فتنطفئ النار .. و لكن هذا لم يحدث .. لماذا؟ لنفس السبب ، لأنه لو انطفأت النار لقال الكفار أن آلهتنا كانت قادرة على أن تحرق إبراهيم ,, لكن السماء أمطرت .. و لو أن السماء لم تمطر لانتقمت آلهتنا منه بالحرق ..
فإبراهيم لم يهرب .. بل وقع في أيديهم .. و النار لم تنطفئ .. بل ازدادت اشتعالا ثم ألقوا إبراهيم في النار ، فإذا بالله سبحانه و تعالى يبطل خاصية الإحراق في النار .. و تكون بردا و سلاما على إبراهيم ..
إذن فمعجزة إبراهيم ليست أن ينجو من النار .. و لو أراد الله أن ينجيه من النار ما مكنهم من القبض عليه .. أو لنزلت الأمطار لطفئ النار .. و لكن الله شاء أن تظل النار متأججة محرقة قوية .. و أن يؤخد إبراهيم عيانا أمام الناس و يرمى في النار .. ثم يعطل الله ناموس أو قانون إحراقها..
"قلنا يا نار كوني بردا و سلاما على إبراهيم"
فتهطل إرادة الله خاصية إحراق النار .. و تقف لآلهتهم تلك التي حطمها إبراهيم و النار متأججة .. و إبراهيم ملقى في النار .. تقف آلهتهم التي أرادوا الإنتقام لها أمام الملأ أجمع .. تقف عاجزة عن أن تجعل إبراهيم يحترق أو تناله بأي سوء ..