و موسى عليه السلام أوحى الله إلى أمه أن تلقيه في اليم لينجو .. و آخر شئ يمكن أن يقوم به أب أو أم حين يريد أن ينجى طفله هو أن يلقيه في الماء .. فالطفل عاجز صغير وليد .. و القاؤه في الماء يعرضه لطير جارح يقتله أو يهاجمه و هو لا يملك لنفسه دفاعا و لا بأسا فيقتله .. و قد تأتي موجة صغيرة من الماء فتطيح بالسلة التي فيها موسى فينقلب فيغرق في الحال .. فهو لا يعرف شيئل عن العوم و لا يستطيع أن يفعل شيئا إذا سقط في الماء .. فإذا لم يسقط في الماء فقد تأتي الأمطار لتملأ السلة التي هو بها .. فيختنق و يغرق .. و قد تأتي ريح تقلب هذه السلة في الماء فيموت .. إذن فكل الأخطار موجودة في إلقاء موسى في اليم ما عدا فرصة الحياة .. و المنطق و الأسباب و العفل كلها تقول أنه إذا أرادت أم موسى أن تنجيه فلتفعل أي شئ في العالم إلا أن تلقيه في الماء .. كان يمكنها أن تأخده إلى مكان بعيد يختفي فيه .. و كان يمكنها أن تهاجر بإبنها إلى خارج مصر .. و كان ممكن أن تخفيه في منزلها في مكان حصين لا يصل إليه جنود فرعون .. و لكن الله أمرها بماذا .. بأن تلقيه في اليم .. حيث يواجه خطر الموت أكثر مما يواجه إحتمال الحياة .. و جعل في هذا الخطر خطر موت موسى غرقا .. أو بطير جارح .. أو بريح قوية .. جعل هذه الأخطار كلها الطريق الوحيد المضمون لنجاة موسى .. لماذا؟ لأن الله هو الفاعل .. و هنا تتعطل الأسباب .. و يصبح الإلقاء نفسه هو النجاة و الأمان و الإطمئنان.