على أن هذه المعجزة .. معجزة خلق عيسى عليه السلام .. لم يكن مقصودا بها التحدي .. فالله سبحانه و تعالى لم يتحد بها أحدا .. لكن المقصود بها هو طلاقة القدرة .. أي أن الله يفعل ما يشاء .. و مقصود بها استكمال الخلق بحيث يصبح الخلق بدون ذكر أو أنثى .. و من ذكر بلا أنثى .. ثم من ذكر و أنثى لمن شاء الله .. ثم من أنثى بلا ذكر .. و بذلك تكتمل مراحل الخلق..
و معجزة أخرى لم يتحد بها الله بشراً .. و هي معجزة شق موسى للبحر بعصاه .. فعندما طارد فرعون و جنوده موسى عليه السلام .. و وصل أتباع موسى إلى البحر .. و البحر أمامهم .. و جنود فرعون وراءهم .. قال قومه إنا لمدركون .. و هذه مسألة طبيعية في قوانين و مسببات البشر .. فجنود فرعون على بعد قريب .. و البحر أمام قوم موسى .. فهم لا يستطيعون مواصلة الفرار أو الهرب .. و حينئذ رفع موسى الأمر إلى الله سبحانه و تعالى .. لم يقل سنصعد إلى جبل ليحمينا من فرعون و جنوده .. و لم يقل سنستقل سفينة ضخمة نهرب بها من فرعون و جنوده .. و لم يقل إننا سننجو من بطريقة كذا و كذا .. و إنما حينما قال له قومه إنا لمغرقون .. رد الأمر إلى الله سبحانه و تعالى .. و قال بملئ فيه :
" كلا إن معى ربي سيهدين "
و من هنا فإنه نقل المسألة من قانون الإنسان .. أو البشر .. إلى قانون الله سبحانه و تعالى .. فكأنه قد نقل القدرة من القدرة البشرية المحدودة .. إلى قدرة الله سبحانه و تعالى التي ليس بها حدود و لا قيود .. و التي تتم بكلمة كن .. و مادام قد نقل القدرة منه هو إلى قدرة الله سبحانه و تعالى فقد أصبحت هذه القدرة ينطبق عليها لفظ سبحان الله و ليس كمثله شئ .. أي أنه لا عجب فيما سيحدث و لو خالف كل قوانين البشر .. لأن الفاعل هو الله سبحانه و تعالى .. فأصبحت النجاة نابعة من قدرة الله و ليس من قدرة البشر .. فقال الله سبحانه و تعالى له :
"ان اضرب بعصاك البحر فانفلق "
و المعروف أن الماء لا ينفلق لأن قوانين الماء هي الاستطراق .. أي لا يكون عاليا في مكان و منخفضا في مكان آخر .. لابد أن يتساوى سطحه .. فإذا ضرب موسى بعصاه البحر فهو لا يستخدم قوانين الأرض .. و لا قوانين الماء .. و لا قدرات البشر .. لأنه رفع الأمر إلى الله سبحانه و تعالى .. و من هنا تكون القدرة و الفعل لله فينشق البحر .. و ينجو موسى و قومه.
هذا هو معنى المعجزة في إيجاز بالغ .. فالمعجزة هي خرق لنواميس الكون .. تتحدى .. و لا يستطيع أحد معارضتها .. و المعجزات نوعان .. معجزات أعطاها الله سبحانه و تعالى لرسله ليتحدوا بها قومهم .. و يثبتوا أنهم جاءوا بالهدى و بالرسالات من عند الله .. و يثبتوا الإيمان في قلوب الناس .. و يبينوا لهم الطريق المستقيم المؤدي إلى الحياة السليمة .. و هي قوانين الله في الأرض .. و ليعرف الجميع أن هؤلاء رسل جاءوا من عند الله بمنهج وضعه الله للإنسان .. و هناك معجزات أخرى في الكون .. لم يرد الله بها التحدي .. و لكنه أراد إثبات طلاقته في الكون في أنه هو الخالق .. و أنه هو الكوجد للأسباب و المسببات .. و أنه يقول كن فيكون بلا مسببات .. مادام الأمر قد رفع إلى الله سبحانه و تعالى بعيدا عن قدرات البشر و قوتهم ..