ننتقل بعد ذلك إلى نقطة ثانية و هي أن القرآن نزل رحمة للعالمبن أو للعالم أجمع .. و هذه احدى معجزات القرآن .. فقد كان الله سبحانه و تعالى يرسل الرسل المختلفة إلى المجتمعات المختلفة لتعالج الداءات و تهدي الناس إلى سبيل الله .. و كان لكل مجتمع داء يختص به دون سائر المجتمعات البشرية .. لذلك اقتضى الأمر أن يأتي الرسول ليعالج داءات هذا المجتمع .. بل أن الله سبحانه و تعالى أرسل أكثر من رسول في وقت واحد لمعالجة داءات مختلفة ..
فإبراهيم عليه السلام .. و لوط أرسلا في وقت واحد .. لماذا ؟ لأن المجتمعات في ذلك الوقت كانت مجتمعات منعزلة لا يعرف بعضها عن بعض شيئا ، و ذلك بسبب سوء المواصلات و عدم وجود التقدم العلمي الذي يتيح سرعة الاتصال بين هذه المجتمعات .. بل أن هذه المجتمعات كانت تعيش و تفنى دون أن يدري مجتمع منها عن الآخر شيئا .. كما أن الداءات في هذه المجتمعات مختلفة .. فمنهم من كان لا يوفي الكيل و الميزان .. و منهم من كان يعبد الأصنام .. و منهم من كان يفسد في الأرض .
و لكن بعد أن تقدم العلم أصبح العالم كله مجتمعا واحدا .. يحدث شئ في أمريكا .. و بعد دقائق تجده في مصر .. و يحدث شئ في اليابان .. و بعد دقائق تجده في أوروبا .. إذن الإتصالات أصبحت سهلة و ميسرة .. و العالم كله اقترب من أن يصبح وحدة واحدة .. و مع تعدد الإتصالات و سهولتها توحدت الداءات .. فأصبح ما يشكو منه بلد تشكو منه معظم البلاد الآخرى .. فكان لابد من وحدة العلاج ..
فمثلا الدعاية للكفر و الشيوعية داء استشرى في كل أنحاء العالم .. و لم يترك دولة دون أخرى .. النظام المالي و الربا تجده في الدنيا كلها .. أكل المال بالباطل و السرقة داء استشرى في معظم دول العالم .. إذن الداءات أصبحت واحدة .. و هذا يقتضي وحدة العلاج .. و من هنا جاء الدين الإسلامي للعالمين .. أي للدنيا كلها .. لأن وحدة الداء تقتضي وحدة العلاج .. وهذه من معجزات القرآن الكريم .. فإن الله قد وضع وحدة العلاج قبل أن تتحقق وحدة الداء فسبق بذلك علم البشر ..