إذا أردنا أن نتحدث عن معجزة القرآن .. و بلاغته .. فإننا لابد أن نتناول دقة اللفظ .. أو دقة التعبير في القرآن .. و كلام الله سبحانه و تعالى يجب أن يكون في غاية الدقة .. بحيث يعبر عن الشئ تعبيرا كاملا .. فلا تجد حرفا زائدا بلا معنى .. و لا كلمة مترادفة إلى آخر ما يقال عن القرآن الكريم .. و الحقيقة أن المعجزة في القرآن تجدها في حرف .. فيقول الله سبحانه و تعالى:
" قل سيروا في الأرض"
و تقف أنت عند هذه الآية الكريمة و تسأل .. لماذا لم يقل الله : قل سيروا على الأرض .. هل أنا أسير في الأرض .. أو على الأرض .. حسب مفهوم الناس جميعا .. فأنا أسير على الأرض .. و لكننا نجد أن الله قد استخدم كلمة في .. و لم يستخدم كلمة على .. يقول: سيروا في الأرض .. (ففي) تقتضي الظرفية .. و المعنى يتسع لأن الأرض ظرف المشي .. و من هنا فإن التعبير جائز .. و لكن ليس في القرآن كلمة جائز .. فالتعبير بقدر المعنى تماما .. و الحرف الواحد يغير المعنى و له هدف .. و قد تم تغييره لحكمة لكن ما هي حكمة استخدام حرف (في) بدلا من حرف (على) ؟
عندما تقدم العلم و تفتح و كشف الله أسرار الأرض و أسرار الكون .. عرفنا أن الأرض ليس مدلولها المادي فقط .. أي أنها ليست الماء و الأرض .. أو الكرة الأرضية وحدها .. و لكن الأرض هي بغلافها الجوي .. فالغلاف الجوي جزء من الأرض يدور معها و يلازمها .. و مكمل للحياة عليها .. و سكان الأرض يستخدمون الخواص التي وضعها الله في الغلاف الجوي في اكتشافاتهم العلمية .. و الدليل على ذلك أنك إذا ركبت الطائرة فإنها ترتفع بك 30 ألف قدم مثلا عن سطح الأرض .. و مع ذلك فإنك لا تقول إنك خرجت من الأرض .. و لكنك تقول أنك تطير في الأرض .. متى تخرج من الأرض علميا و حقيقة .. عندما تخرج من الغلاف الجوي المحيط بالكرة الأرضية .. فأنت في الأرض .. و لست خارج الأرض .. فإذا خرجت من الغلاف الجوي .. فأنت في هذه اللحظة التي تخرج فيها خارج الأرض .. الغلاف الجوي متمم للأرض .. و جزء منها .. و بدور معها ..
نعود إلى الآية الكريمة و نقول : لماذا استخدم الله سبحانه و تعالى لفظ في .. و لم يستخدم لفظ على .. ؟ لأنك في الحقيقة تسير في الأرض .. و ليس على الأرض .. هذه حقيقة علمية لم يكن يدركها العالم وقت نزول القرآن .. و لكن الله سبحانه و تعالى و هو القائل .. و هو الخالق يعرف أسرار كونه .. يعلم أن الإنسان يسير في الأرض .. أنه يسير على سطح الأرض .. و لكنه لا يسير على الأرض .. بل يسير فيها بين الغلاف الجوي و السطح .. و من هنا فهو يسير في الأرض .. أي في وسطها بين غلافها الجوي الذي هو جزء منها .. و بين اليابسة التي هي جزء آخر .. و هكذا نجد دقة التعبير في القرآن في حرف .. و نجد معجزة القرآن في حرف ..