من علماء الشام الكبار المحقق الجليل جمال الدين بن محمد سعيد بن قاسم القاسمي.
ولد في سنة ثلاث وثمانين ومائتين وألف ، ونشأ في حجر والده ، وتلقى مبادئ العلوم الدينية والشرعية على يديه ، ثم تلقى سائر العلوم على كثير من علماء عصره ، ومن أبرزهم الشيخ بكري العطار والشيخ عبد الرازق البطار.
مدحه أمير البيان شكيب أرسلان ، فكان مما قال عنه: كان في هذه الحقبة الأخيرة جمال دمشق وجمال القطر الشامي بأسره في غزارة فضله وسعة علمه وشفوف حسه وذكاء نفسه وكرم أخلاقه وشرف منازعه وجمعه بين الشمائل الباهية والمعارف المتناهية.
وقد سما في العلم والفضل حتى صار وقال عنه الشيخ رشيد رضا: هو علامة الشام ونادرة الأيام المجدد لعلوم الإسلام محيي السنة بالعلم والعمل والتعليم والتهذيب والتأليف وأحد حلقات الاتصال بين هدى السلف والارتقاء الذي يقتضيه الزمن الفقيه الأصولي المفسر المحدث الأديب المفتن التقي الأواب الحليم الأواه العفيف النزيه صاحب التصانيف الممتعة والأبحاث المقنعة.
بدأ الشيخ حياته العامية مدرساً في حياة والده ، قلما توفى والده تولى مكانه في خدمة إمامه في جامع السنانين بدمشق ومارس نشاطه العلمي في التأليف والشرح والنقد والإصلاح حتى ازدهرت تآليفه وكثرت مصنفاته ، ووصل عددها إلى ما يقرب من الثمانين ما بين مخطوط ومطبوع ومن أشهرها:
• محاسن التأويل في تفسير القرآن الكريم.
• فصل الكلام في حقيقة عود الروح إلى الميت حين الكلام.
• بحث في جمع القراءات المتعارف عليها.
• دلائل التوحيد.
• موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين.
• قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث.
وتعتمد طريقته في التأليف على النقل الواعي من التراث الإسلامي الزاخر ، والاكتفاء بالترتيب والتبويب والتعقيب اللطيف أو الاستدراك الخفيف. وكان من المعجبين بالشيخ ابن تيمية ومن أقطاب المدرسة السلفية. وقد اكتسب خبرة واسعة في الاطلاع والاحاطة ، حتى لقد حكى عن نفسه أنه قد من الله عليه بفضله فأسمع صحيح مسلم رواية ودراية في مجالس من أربعين يوماً ، وسنن ابن ماجه إحدى وعشرين يوماً ، والموطأ في تسعة عشرة يوماً ، وطالع بنفسه لنفسه كتاب تقريب التهذيب لابن حجر مع تصحيح سهو القلم فيه وضبطه وتحشيته من نسخة مصححة جداً ثم قال: وهذه الكتب قرأتها بعضها إثر بعض فأجهدت نفسي وبصري حتى رمدت.
ولقد ذكرنا ذلك ، لنعرف بهمته واطلاعه الواسع وعلمه الغزير وعنايته بالإصلاح وإخلاصه في بث الدعوة ونشر الدين والحث على التجديد. وقد اتهم بالدعوة إلى مذهب جديد في الدين سمى بالمذهب الجمالي ، وقبض عليه ، وحقق معه ، ولكنه رد التهمة ، وأثبت براءته ، فأخلى سبيله.
ولم تخل حياته من التنقل والارتحال ، فرحل إلى مصر ، وزار المدينة ، وعاد إلى دمشق ، فانقطع في منزله للتصنيف وإلقاء الدروس الخاصة والعامة في التفسير والأدب وعلوم الشريعة ، إلى أن واتاه الموت في شهر رجب من سنة اثنتين وثلاثين وثلثمائة وألف من الهجرة.
رحمه الله ونفع به.