عالمان جليلان هما الإمام جلال الدين المحلى, و الإمام جلال الدين السيوطي.
أما الجلال المحلى فهو الإمام محمد بن أحمد بن محمد المحلى الشافعي المولود بمصر سنة واحد و تسعين و سبعمائة.
كان مثالا للعالم الجليل حقا, و سار في حياته على نمط أسلافنا من قمم العلماء الذين كانت لهم مثل فيما يتعلق بالعلم و فيما يتعلق بالحياة. لقد جعلوا العلم أساسا في حياتهم, و هذه الأساس لم يتخذوه أساسا منهارا:أي أنهم لم يتخذوه مادة جدل نظرية, و إنما أقاموا حياتهم على العلم فكانوا علماء عاملين.
و لم يتخذ أسلافنا العلم تجارة و تكسبا و حرفة يتقربون به إلى الملوك و الأمراء و ينالون به الزلفى و المناصب, و إنما حفظوه من أن يتبدل, و ذلك أنهم أكتسبوا حياتهم المادية, و اتجهوا في علمهم إلى الله سبحانه و تعالى فلم يأخذوا عليه أجرا . من أجل ذلك كانت لهم حرية لا يقيدها الدينار و الدرهم.
لقد كان إمامنا المحلى من هذا الصنف من الناس. لم يكتف بالعلم, بل صاحبه بالعمل, و لم يمنعه الإشتغال بالتعليم عن التكسب بالتجارة, فاستغنى عن الحكام و الموسرين, و الكتفى بعيشة التقشف, و أخلص للعلم حق الإخلاص.
عرض عليه القضاء الأكبر, فتعفف عنه, و كان كثبرا من أسلافنا يرفضون القضاء تورعا و تنزها عن أن يحكموا حكما لا يرضي الله سبحانه و تعالى.
و أتى إليه الكبراء, فعاملهم معاملة عادية, و أعرض عن مداهنتهم أو التزلف لهم, بل واجههم بمظالمهم, ووقف في وجوههم, ووفى لرسالة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر حقها.
اشتغل بالفقه و الكلام و الأصول و النحو و المنطق و غيرها من العلوم الإسلامية و امتاز بفهم عجيب صادق.
و من طريف ما يصفه به السابقون أهم كانوا يقولون: إن ذهنه يخرق الماس. يعنون بذلك أن ذهنه حاد نفاذ حتى إنه لو توجه إلى ماس لخرقه! و أنه ينفذ إلى دقائق المسائل, فيصل إلى حل ما تعقد منها.
و كان يعتمد على الفهم. و لم يك يستطيع الحفظ. و كان يقول عن نفسه:(إن فهمه لا يقبل الخطأ).
و لقد صاحبه التوفيق في مؤلفاته, فامتازت بالإختصار و التحرير و التنقيح و انتقاء العبارات و جودة العرض حتى جذبت الناس إليها و دفعتهم إلى الإقبال عليها. و من هذه المؤلفات:
1- كتاب شرح جمع الجوامع في أصول الفقه.
2- كتاب شرح المنهاج في فقه الشافعية.
3- كتاب شرح الورقات في أصول الفقه.
و توفى رحمه الله و هو يؤلف تفسيره للقرآن الكريم, هذه التفسير الذي قام بإكماله تلميذه البارز الجلال السيوطي.