الجلال السيوطي يعتبر من أبرز رجال عصره من العلماء, و هو الإمام أبو الفضل جلال الدين بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد بن سابق السيوطي نسبة إلى أسيوط.
و أسرته أسرة كريمة ذات علم و فضل. توفى والده و هو في السادسة من عمره, فنشأ يتيما, و لكن معالم النجابة ظهرت عليه من صغره, فحفظ القرآن و توجه إلى تحصيل العلم من علماء عصره. و ذكر من شيوخه خمسون شيخا من أعلام العلماء..
و قد انتفع انتفاعل لا حد له بالمكتبة المحمودية, و كانت عامرة بالكتب النفيسة. و ابتدأ التأليف و سنه لا يتجاوز سبع عشرة سنة, و أفتى في سن الثانية و العشرين, و أملى الحديث في سن الثالثة و العشرين.
و على سنة العلماء الممتازين رحل إلى كثير الأقطار منها: الشام و الحجاز و اليمن و الهند و المغرب, فضلا عن الطواف بشتى أنحاء القطر المصري. و شرب ماء زمزم قاصدا أن يصل في العلم إلى مراتب شيوخه المتخصصين البارزين كل في فنه متابعا لقول الرسول -صلى الله عليه و سلم-(ماء زمزم لما شرب له).
و كان السيوطي جامعا لكثير من العلوم و المعارف الدينية و اللغوية كالتفسير و الحديث و الفقه و النحو و البلاغة, و وصل فيها إلى مرتبة أهلته للتأليف بكثرة و غزارة, يقول عن نفسه:( و لو شئت أن أكتب في كل مسألة مصنفا بأقوالها و أدلتها النقلية و القياسية و مداركها و نقوضها و أجوبتها و الموازنة بين اختلاف المذاهب فيها لقدرت على ذلك من فضل الله لا بحولي و قوتي).
و قد بدأ السيوطي الكتابة ملخصا و مختصرا, ثم انتهى أمره إلى الإستقلال في التأليف. إلا أن المنهج النقلي يغلب عليه , لأنه في نظره جانب مأمون.
و حياته تمثل حياة العالم في صورتها السامية, لقد تفرغ للعلم و عكف عليه, و لم يشغله عنه شاغل. كان العلم شعاره في الصباح و المساء, و كان شعاره في النوم و اليقظة, و من أجل ذلك كانت حياته خصبة أثمرت ما يقرب من الخمسمائة مؤلفا, منها: ما هو صغير لا يزيد على صفحة أو صفحات, و منها ما يسع عدة مجلدات.
و من أبرز كتبه:
1- تفسيره الكبير المسمى(الدر المنثور في التفسير بالمأثور).
2-كتاب (جمع الجوامع) أو (الجامع الكبير) الذي حوى ما حصله من الحديث, و هو مرتب على حروف المعجم, مما يسر تناوله و التعرف على ما فيه. و هو يعد عملا تنوء به العصبة أولو القوة, و قد يسره الله تعالى له لذاكرته القوية و لتنظيمه الدقيق و لا ستعانته ببعض تلاميذه, فيما يبدو في الجمع و الترتيب.
3- كتاب (صون المنطق و الكلام) و هو من أنفس كتبه و حققه أخيرا الدكتور علي سامي النشار و السيدة سعاد علي عبد الرازق.
4- كتاب (اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة).
5- كتاب( الإتقان في علوم القرآن)
6- كتاب(تدريب الراوي في علوم الحديث)ز
و برهن على سعة اطلاعه و رحابة أفقه في فتاواه الكثيرة التي جمع نموذجا طيبا منها في جزأين كبيرين بعنوان (الحاوي).
و يؤخذ على السيوطي إفراطه في النقل, و كثرة استطرداداته في مؤلفاته, و افتقار هذه المؤلفات إلى التهذيب و التنقيح.
بيد أن إفراطه في النقل يسر لنا معرفة الكثير من الكتب التي كادت أن تندثر لولا أنه حفظ لنا أجزاء ضخمة منهابين ثنايا كتبه, و لولا ذلك لما علمنا عنها شيئا.
و كان يميل إلى الزهد و التصوف, و له فيهما مؤلفات و فتاوى كثيرة و دقيقة.
و قد توفى في ليلة يوم الجمعة التاسع عشر من جمادى الأولى سنة إحدى عشرة و تسعمائة, و صلى عليه الإمام الشعراني, و دفن بالقاهرة,
رحمه الله رحمة و اسعة.