Mohammed Ali عضو الماسي
| موضوع: الإمام أبوالحسن الأشعري ـ ومنهج الوسطية(1 ـ2) السبت مايو 15, 2010 4:26 am | |
| قد يسألني البعض من السادة غير المتخصصين في علوم العقيدة, أو علم الكلام, عن جدوي الحديث عن الإمام أبي الحسن الأشعري, رغم أن هذا الإمام قد توفي سنة330 هـ( تقريبا) أي منذ مائة وألف عام مضين من عمر التاريخ؟ ثم ما الفائدة التي يجنيها المسلمون في محنتهم هذه من مثل هذا الحديث, وهل يرجون منه ما ترجو أمة تمزق شملها وانتقض غزلها أنكاثا, ولاذت بركن قصي معزول عن رهانات عصرها وتحدياته, بعد أن كانت ملء سمع الدنيا وبصرها. وبعد أن كان العالم كله يحسب لها ألف حساب؟! إن الإجابة عن مثل هذه الاسئلة المشروعة تختصر رسالة الأزهر الشريف ورسالة العلماء الأفاضل ورؤيتهم في تحديد العلة.
يذكرنا واقع الأمة الآن بواقعها أيام الإمام أبي الحسن الأشعري, وبحاجة الي منهج, كمنهجه الذي أنقذ به ثقافة المسلمين وحضارتها قديما, مما كان يتربص بها من مذاهب مغلقة تدير ظهرها للعقل وضوابطه, وأخري تتعبد بالعقل وتحكمه في كل شاردة وواردة, حتي فيما يتجاوز حدوده وأدواته, وثالثة تحكم الهوي والسياسة والمنفعة, وتخرج من كل ذلك بعقائد مشوهة تحاكم بها الناس وتقاتلهم عليه.
في مثل هذا الجو المضطرب, ولد الإمام علي بن اسماعيل الأشعري في البصرة سنة260 هـ وتوفي في بغداد سنة330 هـ تقريبا(935 م) وعاش سبعين عاما بين فرق ومذاهب وتيارات متصارعة ومتنافرة أشد التنافر.
إلا أن مذهبين كان لهما دور حاسم في ظهور مذهب الإمام أبي الحسن الأشعري كإمام لوسطية أهل السنة والجماعة في تلكم الفترة الحرجة.. هذان المذهبان هما: مذهب المعتزلة ومذهب الحنابلة الذي وقف منه موقف النقيض.
واسمحوا لي ـ بأن أطرح في كلمة موجزة تذكيرا تاريخيا بهذين المذهبين.
أما المعتزلة فقد كانوا يعولون في مذهبهم علي العقل وأحكامه, غير أن إفراطهم في التمسك بالمنهج العقلي الصارم انتهي بهم, من حيث يريدون أو لا يريدون, الي القول بمقالات جارحة لمشاعر كثير من أهل الورع والتقوي من علماء المسلمين.. من هذه المقالات: قولهم بالوجوب علي الله تعالي, حيث قالوا: يجب علي الله ـ تعالي ـ أن يثيب الطائعين يوم القيامة, كما يجب عليه أن يعذب العاصين, ولازم ذلك إنكار الشفاعة, لأنها تصدم ـ عقلا ـ مبدأ وجوب الثواب والعقاب, ومنها: موقفهم من مرتكب الكبيرة من المسلمين حيث قالوا: إنه ليس بمسلم لانهدام ركن العمل, وليس بكافر لنطقه بالشهادتين, بل هو في منزلة بين المنزلتين.
غير أن المقولة التي عاني منها المجتمع معاناة بالغة, وعذب كثيرون من أجلها عذابا أليما بالضرب أو السجن, هي قولهم: إن القرآن مخلوق, شأنه في ذلك شأن باقي المخلوقات, ثم إنكارهم أن يتصف الله بصفة الكلام قبل أن يخلق الإنسان المخاطب بهذا الكلام المحدث, ومع هذه المقالة تبقي الآيات القرآنية في هذه القضية وكأنها معطلة المعني, وكان يمكن لهذه المقالات أن تبقي وقفا علي الدرس والعلم والبحث, وأن يظل الجدل حولها حبيس قاعات العلم, لولا أن الدولة في ذلكم الوقت تبنت مذهب الاعتزال وفرضته علي الناس فرضا, وهذه هي المشكلة القديمة المتجددة, وأعني بها أن تتبني الدولة وسلطاتها أحد المذاهب الخلافية, وتعمل علي نشر وإقصاء ماسواه من المذاهب الاسلامية المشروعة التي تتسع لها نصوص القرآن الكريم والسنة الصحيحة. ويحدثنا التاريخ القديم والحديث أن الأمة هي التي كانت ـ دائما ـ تدفع الثمن غاليا لهذا الترف العقلي لنخبة من العلماء والدعاة يعيشون في القصور, وفي الغرفات المريحة, ويحتمون بأصحاب الجاه والمال والسلطان.. وهذا ماحدث في هذه الفترة من فترات الدولة العباسية, حيث تبني الخليفة المأمون هذا المذهب, وقرب إليه علماء الاعتزال, وبدأ في حمل الناس علي القول بأن القرآن مخلوق, وكتب للولاة رسائل يأمرهم فيها بألا يعينوا القضاة ولا يقبلوا الشهود إذا كانوا لايؤمنون بهذه المقولة. وأن يرسلوا الي بغداد العلماء والمحدثين الذين يرفضون مذهب الاعتزال لحملهم علي هذا المذهب, أو تعذيبهم وسجنهم, وكثير من العلماء الذين صمدوا قتلوا أو ماتوا في سجون المأمون والمعتصم.
وقد استدعي الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه وضرب بالسياط حتي سال منه الدم, لأنه لم يقل بأن القرآن مخلوق, ومن حسن الحظ أن المعتصم لم يقتله فيمن قتلهم من الممتنعين عن القول بخلق القرآن, وكان ذلك سنة220 هـ.
وقد استمرت هذه الفتنة أو المحنة, حتي جاء المتوكل فقلب للمعتزلة ظهر المجن, وأصدر أوامره بمطاردة مذهبهم ومعاقبة من يري رأيهم, بل صدرت الأوامر لوالي مصر أن يمثل بقاضي قضاتها الذي سبق له أن عذب الرافضين لمذهب المعتزلة أيام المعتصم والواثق, وأمر بضربه بعد ذلك, وكان من المنطقي أن يتصدر الساحة بعدئذ المذهب المقابل لمذهب المعتزلة وهو المذهب الحنبلي الذي يقرر أن القرآن قديم في معانيه وألفاظه وحروفه, وكما تسلط المعتزلة علي الناس, تسلط الحنابلة عليهم بقضايا لا ناقة لهم فيها ولا جمل.
وقد أدي هذا المنهج المتشدد والذي لا يعول كثيرا علي قواطع العقل أدي بهذا الاتجاه الي الغلو والتجسيم الي الدرجة التي ينفر منها شعور المؤمن المنزه لله تعالي.
بقلم: د.احمدالطيب
| |
|