Mohammed Ali عضو الماسي
| موضوع: فتوي ماردين-بين توظيف المتشددين ومراجعات العلماء(1) السبت يونيو 05, 2010 9:03 am | |
| في خطوة مهمة وضرورية نحو مواجهة جماعات العنف وتيارات الفكر التكفيري في العالم الاسلامي, عقد مؤتمر ببلدة ماردين التركية لمناقشة فتوي الفقيه الحنبلي ابن تيمية الحراني الشهيرة بفتوي ماردين.
والتي استخدمتها كثير من الحركات المتطرفة في تبرير ما يقومون به من أعمال تخريب وتدمير وقتل للنفس الانسانية الآمنة باسم الاسلام. وقد كنت مدعوا لحضور هذا المؤتمر ولكني شغلت ساعتها بتأبين فضيلة الامام الراحل الدكتور محمد سيد طنطاوي, ومع ذلك حرصت علي الوقوف علي ما انتهي إليه ذلك المؤتمر نظرا لأهمية موضوعه, خاصة وقد حضره نخبة من علماء الأمة الاسلامية من بلدان شتي, من بينها المملكة العربية السعودية وتركيا والهند والسنغال والكويت وإيران والمغرب وإندونيسيا.
وقد تناول المؤتمر أربعة محاور أربعة, اهتم المحور الأول بفتوي ماردين: الزمان والمكان والظروف والملابسات. والمحور الثاني: مفهوم الموطن والمقر في الفقه التقليدي وفي ضوء العولمة والاتصالات الحديثة. والمحور الثالث: أهمية الفتوي في سياق التاريخ الاسلامي. أما المحور الرابع فتناول: فهم الجهاد: ظروف القتال المسلح وقواعد الاشتباك, كما تم تعريفها من قبل ابن تيمية وميثاق الأمم المتحدة.
ويرجع تاريخ فتوي ابن تيمية إلي ما قبل700 عام عندما سئل الفقيه ابن تيمية ـ رحمه الله ـ عن بلد ماردين هل هي بلد حرب أو بلد سلم؟ وهل يجب علي المسلم المقيم بها الهجرة إلي بلاد الاسلام أم لا؟ وإذا وجبت عليه الهجرة ولم يهاجر, وساعد أعداء المسلمين بنفسه أو ماله, هل يأثم في ذلك؟ وهل يأثم من رماه بالنفاق وسبه به أم لا؟فأجاب: - اقتباس :
- احمد لله. دماء المسلمين وأموالهم محرمة حيث كانوا في[ ماردين] أو غيرها. وإعانة الخارجين عن شريعة دين الاسلام محرمة, سواء كانوا أهل[ ماردين] أو غيرهم. والمقيم بها إن كان عاجزا عن إقامة دينه وجبت الهجرة عليه. وإلا استحبت ولم تجب.
ومساعدتهم لعدو المسلمين بالأنفس والأموال محرمة عليهم, ويجب عليهم الامتناع عن ذلك, بأي طريق أمكنهم, من تغيب, أو تعريض, أو مصانعة. فإذا لم يمكن إلا بالهجرة تعينت, ولا يحل سبهم عموما ورميهم بالنفاق, بل اسلب والرمي بالنفاق يقع علي الصفات المذكورة في الكتاب والسنة, فيدخل فيها بعض أهل مايدين وغيرهم. وأما كونها دار حرب أو سلم, فهي مركبة فيها المعنيان, ليست بمنزلة دار السلم التي تجري عليها أحكام الاسلام, لكون جندها مسلمين, ولا بمنزلة دار الحرب التي أهلها كفار, بل هي قسم ثالث يعامل المسلم فيها بما يستحقه, ويقاتل( الصحيح: ويعامل) الخارج عن شريعة الاسلام بما يستحقه ( مجموع فتاوي ابن تيمية241240/28,).
ويعد مؤتمر ماردين تحولا نوعيا في التعامل مع الجماعات المتطرفة وأسانيدها, فالمؤتمر لم يهدف إلي مصادرة الفتوي أو نفيها وإثبات عدم صحتها, كما أنه لم يسع إلي التشكيك في روافدها الشرعية, بل علي العكس من ذلك خلص المؤتمر إلي الاشادة بها والتأكيد أن ابن تيمية موافق ومتبع لعلماء المسلمين في فتاواهم في هذا الشأن, ولم يخرج عنهم, وسعي المؤتمر إلي تجريد الفتوي من التوظيف السلبي لها من قبل الجماعات المتشددة, علي غرار آيات قرآنية وأحاديث نبوية أولها أولئك المتشددون بغير المقصود منها, إضافة إلي تأكيد المؤتمر علي أنه لا يمكن بحال من الأحوال أن تكون فتوي ماردين متمسكا ومستندا لتكفير المسلمين, والخروج علي حكامهم, واستباحة الدماء والأموال, والغدر بمن يعيشون مع المسلمين أو يعيش المسلمون معهم بموجب علاقة مواطنة وأمان, بل هي فتوي تحرم ذلك كله, فضلا عن كونها نصرة لدولة مسلمة علي دولة غير مسلمة.
ولمواجهة التوظيف السلبي لفتاوي علماء المسلمين القدامي واستخدامها لتبرير عمليات تخريبية, فقد دعا العلماء المشاركون في المؤتمر إلي التجديد الديني, والانطلاق من فتاوي العلماء المسلمين القدامي باعتبارها ثروة كبيرة, راعت الظروف الزمانية والمكانية المعاصرة لهم, علي أن يجدد العلماء المعاصرون مثلما فعل العلماء السابقون, من خلال إيجاد أحكام شرعية تتوافق مع مستجدات العصر.
ونبه المشاركون أيضا إلي خطورة إسقاط الفتاوي القديمة علي الواقع الجديد, منوهين بوجود جدل دائم وصحي ما بين التراث والواقع, إذ بات من الأهمية بمكان مراعاة المصالح والمفاسد والأحوال والمآلات.
وخلص المؤتمر إلي اعتبار دول العالم جميعها ـ باستثناء الدول التي تخوض حربا ضد المسلمين ـ( فضاء سلام), إذ قلما يوجد بلد لا يعيش فيه مسلمون, ويتمتعون فيه بحقوق المواطنة, كما أكد المشاركون في المؤتمر أهمية اجتماع العلماء المسلمين للنوازل المستجدة ووضع الحلول لها, ومراجعة آراء العلماء السابقين وفتاواهم, ومنها فتوي شيخ الاسلام ابن تيمية, والوقوف علي زمانها ومكانها, والظروف التي أدت إلي إصدارها.
وإننا في هذا الوقت الذي نعيشه في عالم أضحي الاسلام فيه المتهم الأول بالارهاب ودعم العنف والتطرف:لفي أشد الحاجة إلي نقض وتمحيص ومراجعة تلك الشوائب والتهم التي لحقت بالاسلام والمسلمين, سواء من الجماعات المتطرفة في الداخل, أو من الاعلام الخارجي الموجه, والمدفوع في أحيان كثيرة, وقد ترك لنا الأوائل الأدوات والمعايير التي من خلالها نزيل غبش تلك الشوائب, ونعرف الصواب من الخطأ, والصحيح من الباطل, سواء مما ورد في تاريخنا وتراثنا أم مما يفد إلينا من غيرنا, وبتلك المعايير وذلك المنهج لنا وقفة مع فتوي ابن تيمية من حيث التوثيق والفهم. ======================== بقلم: د. علي جمعة | |
|