الرقـم المسلسل 562
الموضوع صلاة التسابيح
تاريخ الإجابة 05/04/2006
الســــؤال
اطلعنا على الطلب المقيد برقم 2868 لسنة 2005م والمتضمن السؤال عن صلاة التسابيح: هل أجازها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم؟ وما ثواب من صلاها ليلة سبع وعشرين من رمضان؟
الـجـــواب
فضيلة الأستاذ الدكتور علي جمعة محمد
حديث صلاة التسابيح مرويٌّ من طرق كثيرة وعن جماعة من الصحابة، وقد أخرج حديثَها أئمةُ الإسلام وحفاظُه، وأمثل طرقها حديث عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للعباس بن عبد المطلب: «يا عباس يا عماه، ألا أعطيك! ألا أمنحك! ألا أحبوك! ألا أفعل لك! عشر خصال، إذا أنت فعلت ذلك غفر الله لك ذنبك: أوله وآخره، قديمه وحديثه، خطأه وعمده، صغيره وكبيره، سره وعلانيته، عشر خصال: أن تصلي أربع ركعات تقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وسورة، فإذا فرغت من القراءة في أول ركعة وأنت قائم قلت: "سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، و الله أكبر" خمس عشرة مرة، ثم تركع فتقولها وأنت راكع عشرا، ثم ترفع رأسك من الركوع فتقولها عشرا، ثم تهوي ساجدا فتقولها وأنت ساجد عشرا، ثم ترفع رأسك من السجود فتقولها عشرا، ثم تسجد فتقولها عشرا، ثم ترفع رأسك فتقولها عشرا، فذلك خمس وسبعون في كل ركعة، تفعل ذلك في أربع ركعات، إن استطعت أن تصليها في كل يوم مرة فافعل، فإن لم تفعل ففي كل جمعة مرة، فإن لم تفعل ففي كل شهر مرة، فإن لم تفعل ففي كل سنة مرة، فإن لم تفعل ففي عمرك مرة» رواه البخاري في جزء "القراءة خلف الإمام"، وأبو داود وابن ماجه وابن خزيمة في صحيحه، وصححه جماعة من الحفاظ، منهم: الدارقطني الذي أفردها بجميع طرقها في جزء، والحاكم في "المستدرك"، وأبو بكر الآجري، وابن منده وألف في تصحيحه كتابا، والخطيب البغدادي وجمع طرقها في جزء، وأبو سعد السمعاني، وأبو موسى المديني وجمع طرقها في جزء سماه "تصحيح صلاة التسابيح"، وأبو محمد عبد الرحيم المصري، وأبو الحسن المقدسي، والحافظ المنذري، والإمام الزركشي، وحسنه ابن الصلاح والنووي في "التهذيب"، وقال الإمام مسلم: لا يُروَى في هذا الحديث إسناد أحسن من هذا، وقال أبو داود: ليس في صلاة التسبيح حديث صحيح غير هذا،
وقال الترمذي: وقد رأى ابن المبارك وغير واحد من أهل العلم صلاة التسابيح وذكروا الفضل فيه، وقال الحاكم في المستدرك: "رواة هذا الحديث عن ابن المبارك كلهم ثقات أثبات، ولا يُتَّهَم عبد الله أن يُعلِّمه ما لم يصح عنده سنده"، وقال البيهقي: "كان عبد الله بن المبارك يفعلها وتداولها الصالحون بعضهم من بعض، وفيه تقوية للحديث المرفوع"، وقال الديلمي في "مسند الفردوس": صلاة التسابيح أشهر الصلوات وأصحها إسنادا، وقال عبد العزيز بن أبي رواد: "من أراد بحبوحة الجنة فعليه بهذه الصلاة".
والقول بأن هذه الصلاة مشروعة مستحبة هو مذهب الشافعية والحنفية وقول عند الحنابلة بجوازها. ويرى بعض العلماء أنها غير مستحبة ذهابا منهم إلى تضعيف حديثها ومخالفة هيئتها لهيئة باقي الصلوات، ويُروَى هذا عن الإمام أحمد، وإليه ميل الحافظ ابن حجر في "التلخيص"؛ حيث نقل تضعيف حديثها عن ابن تيمية والمزي.
ويجيب أصحاب الرأي الأول بأن هذه الصلاة مروية من طرق كثيرة يقوي بعضها بعضًا، وأن ذلك اعتضد بفعل كثير من السلف لها ومداومتهم عليها، وأن مجرد المخالفة في هيئة الصلاة عن الهيئة المعتادة لا يقدح في مشروعيتها كما هو الحال في كثير من الصلوات؛ كالعيدين والجنازة والكسوف والخسوف والخوف، وما نقل عن الإمام أحمد في إنكار حديثها قد جاء عنه أنه رجع عن ذلك؛ فنقل الحافظ ابن حجر في "أجوبته عن أحاديث المصابيح" عن علي بن سعيد النسائي قال: سألت أحمد عن صلاة التسبيح، فقال: لا يصح فيها عندي شيء، قلت: المستمر بن الريان عن أبي الجوزاء عن عبد الله بن عمرو؟ فقال: من حدثك؟ قلت: مسلم بن إبراهيم، قال: المستمر ثقة، وكأنه أعجبه اهـ. قال الحافظ ابن حجر: "فهذا النقل عن أحمد يقتضي أنه رجع إلى استحبابها، وأما ما نقله عنه غيره فهو معارَض بمن قوَّى الخبر فيها وعمل بها، وقد اتفقوا على أنه لا يُعمَل بالموضوع وإنما يُعمَل بالضعيف في الفضائل وفي الترغيب والترهيب"، ثم قال ابن حجر: "والحق أنه في درجة الحسن؛ لكثرة طرقه التي يقوى بها الطريق الأولى" اهـ.
ومن المقرر شرعا أنه إنما يُنكَر المتفق عليه ولا يُنكَر المختلف فيه؛ فمن فعل هذه الصلاة وواظب عليها خصوصًا في المواسم المباركة كليالي العشر الأواخر من رمضان فهو على خير وسُنَّةٍ، ومن أبى ذلك تقليدا لمن أنكر حديثها فلا حرج عليه بشرط عدم الإنكار على من فعلها، لأنه لا إنكار في مسائل الخلاف.
والله سبحانه وتعالى أعلم