خرج عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- ذات صباح حين أُذِّن لصلاة الفجر، وكان لا يبدأ الصلاة إلا بعد أن يأمر الناس بأن يسووا صفوفهم، وكان ينظر في الصف الذي يليه، فإن رأى رجلا متقدمًا مسه بالدرة، ليرجع إلى مكانه من الصف فلما فعل ذلك، واستقبل صلاته طعنه أبو لؤلؤة الكافر الفارسي المجوسي ثلاث طعنات، وكان مختبئا في بعض زوايا المسجد.
قال الرواة: فلما أحس عمر حر الطعنة وعنف الضربة وحدتها بسط يده وقال: "أدركوا الكلب، فقد قتلني"، ثم سقط إلى الأرض، ودمه ينزف فماج الناس، وجعل الغلام يطعن من وليه منهم، حتى طعن اثني عشر رجلا غير عمر، وألقى عليه رجل ثوبا، فلما عرف الغلام أنه مأخوذ معاقب قتل نفسه بخنجره، وأقبل بعض الناس، فحملوا عمر إلى داره وهو يقول: " وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا ".
ويقول بعض الرواة: إن عمر حين طعن أخذ بيد عبد الرحمن بن عوف، فقدمه للصلاة ويقول آخرون: إن الناس ماجوا ساعة بعد مصرع عمر، حتى قال قائل: "الصلاةَ عبادَ الله فقد طلعت الشمس"، فقدموا عبد الرحمن بن عوف، فصلى بهم وقرأ بأقصر سورتين في القرآن: "وَالْعَصْرِ" و"إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ".
ويقول الرواة: إن عمر أمر ابن عباس أن يخرج فينظر من قتله، فخرج ابن عباس فجال في الناس، ثم عاد فقال: قتلك أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة، قال عمر: الحمد لله الذي لم يجعل قتلي بيد رجل يحاجني عند الله بسجدة سجدها له. يريد أن قاتله لم يكن مسلمًا.
ثم قال عمر لابن عباس: اخرج فسل الناس: أكان هذا من ملأ منهم -هل كان قتل أبي لؤلؤة لعمر عن رضا من الناس وبموافقة منهم؟- فخرج، ثم عاد إليه فأنبأه بأن الناس يقولون: والله ما علمنا ولوددنا أن الله يزيد في عمره من أعمارنا.
ثم قال عمر لابنه عبد الله: اذهب إلى عائشة أم المؤمنين، فقل لها: إن عمر يستأذنك في أن يدفن مع صاحبيه. فذهب عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما- حتى دخل على عائشة فوجدها قاعدة تبكي، فلما أبلغها ما قال عمر، قالت: لقد كنت اخترته لنفسي، ولأوثرنه به اليوم، وعاد عبد الله فأبلغ أباه أن عائشة قد أذنت له فيما أراد، فحمد الله عمر، وقال: "لقد كان هذا أهم شيء إلي".
ويقول الرواة: إن الناس جعلوا يدخلون عليه أرسالا -جماعة بعد جماعة- فيثنون عليه، فقال لهم حين كثر ذلك منهم: "أبالإمارة تغبطونني؟" -الغبطة: تمني مثل ما لغيرك من نعمة، بخلاف الحسد فهو: تمني زوال نعمة غيرك وانتقالها إليك-. لقد صحبت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فتوفي وهو عني راضٍ، وصحبت أبا بكر -رحمه الله- فكنت سامعًا مطيعًا حتى توفي وهو عني راضٍ، وأصبحت لا أخاف إلا إمارتكم هذه.
وبوفاة عمر -رضي الله تعالى عنه- ختم أروع فصل في تاريخ الإسلام والمسلمين منذ وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى آخر الدهر، فلم يعرف المسلمون وما أراهم سيعرفون في يوم من الأيام خليفة يشبه عمر من قريب أو بعيد، فقد كان رضي الله عنه أزهد خلفاء المسلمين وملوكهم في الدنيا، وأشدهم لها ازدراء، -احتقارا وفعله: ازدرى- وأعظمهم منها نفورًا، وكانت مدة خلافته عشر سنين وستة أشهر وأربعة أيام، وعمره ثلاث وستون سنة. وما كان أحد يظن أن عمر العادل العظيم يموت قتيلا، ولقد قيل إنه دعا ربه في أواخر حياته حين حج فقال: "اللهم كبرت سني، وضعفت قوتي، وانتشرت رعيتي فاقبضني إليك -توفني- اللهم ارزقني الشهادة في سبيلك، واجعل موتي في بلد رسولك".
فحقق الله دعاءه، وأماته شهيدًا بمدينة الرسول -صلى الله عليه وسلم- بعد أن أدى رسالته خير أداء للإسلام والمسلمين، ودفن عمر رحمه الله تعالى بجوار صاحبيه، رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأبي بكر الصديق -رضي الله عنه-.
رحمك الله يا عمر بقدر ما أحسنت إلى الفقراء والمساكين، كنت لا تثق إلا بالله، ولا تفكر إلا في إرضاء الله، فأنت تمثل العظمة الإسلامية والروح الإسلامي، حققت دعاء سيد المرسلين -صلى الله عليه وسلم- : ((اللهم أعز الإسلام بعمر)).