يصعب علي المتابع لمسيرة الإسلام في العهد الراهن, أن يتعرف علي الصورة الصحيحة لهذا الدين, إذ يجد في المشهد القائم, تشوهات أصابت حقيقته, وتكالبت علي رسالته.
تطعنه في صميم عقيدته ونظامه, وتنعته بكل النقائص والمعايب, وتسيء إليه أيما إساءة, وتوظف هذه القوي المهيمنة في العالم المعاصر كل ما أوتيت من رؤي فكرية, ومذاهب أيديولوجية, وآليات تقنية وإعلامية جبارة, وترسانة حربية لحصار دين الإسلام, وخنق منظومته في العقيدة والتشريع والحضارة والأخلاق.
وقد تسارع إيقاع القوي الغربية علي هذا الطريق المخرب لحقائق الدين المزدري لكل ما جاء به من رصيد إيماني, وفكر رباني أصيل يفجر إشراقات روحية, ويبعث هداية ممتدة الآفاق يعم نورها جنبات النفس الإنسانية, يحيا بها القلب والعقل, وتعيد إلي الإنسان فطرته النقية, وتطهرها من شوائب الضلالة والظلمة, فتجعله مؤمنا بالحقيقة المطلقة في وجود الإله الخالق الواحد المهيمن علي الكون وما فيه ومن فيه.
علي هدي هذه الحقيقة قام الإسلام كدين جمع رسالات الأديان, ودعا إلي التعاون والتعايش والتواصل بين البشرية كلها, والخلاص من وقوع الإنسان أسيرا للأهواء والمطامع والشهوات التي تحمله علي الصراع والعدوان والسيطرة ومصادرة حقوق بقية بني الإنسان, والإحساس بأنه, بما حققه من قوة مادية, يستطيع أن يغير ناموس الكون والحياة, بمنأي عن القوة الأعظم, الله مالك الملك والملكوت.
وبرغم ذلك تنتقص قوي الغرب, من قيمة الدين, وتتعمد أن يغيب عن الوجود, علي الرغم مما أوتيت من عقل وعلم ومدنية ناهضة, وتقنية غير مسبوقة, وتصب كل جهودها نحو إزاحة الإسلام لما يتمتع به من حيوية وأيديولوجية خلاقة ومبدعة, يوحد العقائد ويرفع العقل المتفكر ويصحح التصورات الخاطئة بشأن الإله رب الوجود والناس في بساطة ويسر وعمق ينفذ إلي القلوب المتجردة للمعرفة الحقة دون تأثيرات عبثية شيطانية ويدعو إلي ما اجتمع عليه الأنبياء والرسالات الإلهية وما أرسلنا قبلك من نبي إلا يوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون.
فالإسلام خلاصة الأديان في إسعاد الناس في أمور الاعتقاد والحياة, أرسل الله به النبي محمد ـ صلي الله عليه وسلم ـ يخاطب العقل في حسم ووضوح, في ترسيخ ركيزة الإيمان بقوله: أفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله.
فهو دعوة الرسول للهداية الراشدة للعالمين يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا وتملكوا بها العرب وتدين لكم بها العجم, فإذا آمنتم كنتم ملوكا في الجنة.
ولأن رسول الإسلام, أدرك بيقينه في الله, قيمة الدين في بناء واستقامة الإنسان, وصلاح النفس, وسلامها مع ذاتها ومع من حولها, ومع العالمين, فإنه جاهد من أجل إحياء الإنسان, ومقاومة الغواية والعصيان, وهنا تتجلي عظمة الدين في إحياء النفس وتربية الضمير, والتعايش في سلام مع النفس والأهل والجماعة والمجتمع والآخرين. واعتبر السلام دعوة هداية, وبلاغ قرآني; في قوله تعالي: يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلي النور, ويهديهم إلي صراط مستقيم.
لكن غابت هذه الحقيقة, عن المسلمين ففقدوا مكمن القوة في دينهم, في التوحد والوسطية, وهي عقيدة أهل السنة والجماعة.
هذه الوسطية, تتطلب التفاف الأمة الإسلامية حول التوحد في الشأن الديني, وأن يجتمعوا حول أصول الإسلام وثوابته, وأن ينأوا بأنفسهم عن التعرف المذموم, فالتعددية الطائفية مرفوضة, كما هي حاصلة الآن: السلفية والصوفية والأحباش والقرآنيون, والشيعة كذلك الكف عن دعاوي التكفير والتفسيق والتبديع وأن يسلكوا سبيل المصلحة الإسلامية العامة في وحدة الصف, ولزوم الجماعة.
إن علي الجماعات المسلمة التي تملأ الدنيا ضجيجا باحتكار الإسلام وكأنها وحدها المسلمة دون المسلمين, من خلال الفهم المتشدد أو المتطرف وسلوك جامح عدواني علي بني الدين والوطن والأبرياء في كل مكان, إن الإسلام أكبر من ذلك الشطط والجهالة, وأنه دعوة إلي وحدة الإيمان بالله والرسل والكتب المنزلة والملائكة واليوم الآخر, وهي الأصول القطعية.
ويستوجب ذلك أن تختفي من علي الساحة الاختلاف حول أركان الإسلام, فهناك من يصلي في مساجد أقاموها لجماعتهم بعيدا عن مساجد المسلمين( أهل السنة والجماعة) وفقا لطقوس غريبة عن الإسلام, ناهيك عن الاختلاف في بدء ركن الصيام, ونهايته, حتي صار داخل البلد الواحد, ثلاثة أوقات لبدء الصيام وثلاثة أوقات للاحتفال بالعيد, أفلا يدري المنشقون عن الجماعة ـ ولو علي فرض أنها مخطئة في رأيها ـ أنها بهذا الخلاف وتصدع وحدة المسلمين ارتكبت أكبر جناية في حق الإسلام, وأن فعلها ليس فقط خطأ وإنما خطيئة كبري, لأن فيه التفرق المذموم وإضعافا لقوته والإساءة إليه.
إن أحد أسباب انحطاط المسلمين, هو اختزال الإسلام في أشكال ورسوم بعيدا عن لب الدين وجوهره, والبعد عن الفهم السديد في العمل النافع لرفعة الدين والدنيا, مما ضيع وحدتهم, وأذهب قوتهم, وجعلهم فريسة سهلة للمتربصين بالإسلام وأهله, يدورون في فلكهم, ويرجون رضاهم.
ويتعين علي المسلمين للخروج من المأزق الراهن تجديد الإيمان واستعادة الفهم الصحيح لمقاصد الدين وثوابته, وأن يجعلوا مناط اهتمامهم, الهم الإسلامي العام, والمصلحة الشاملة للمسلمين, وأن يترسموا الطريق الوسط والاعتصام بالأصول والاجتهاد في الفروع, تطبيقا لقاعدة: نجتمع فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا عليه مما يجعل تجديد الفهم الإسلامي لقضايا العصر والحياة فريضة حاضرة ليست غائبة عن فكر وواقع المسلمين.
===========================
بقلم : د. محمد الشحات الجندي