على أن هناك ناحية ثانية و هي أن معجزة القرآن تختلف عن معجزات الرسل اختلافا آخر .. فكل رسول كانت له معجزة و كتاب و منهج .. معجزة موسى العصى .. و منهجه التوراه .. معجزة عيسى الطب .. و منهجه الإنجيل .. لكن رسول الله صلى الله عليه و سلم معجزته هي عين منهجه .. ليظل المنهج محروسا بالمعجزة و تظل المعجزة محروسة بالمنهج .. و هنا فقد كانت الكتب السابقة للقرآن داخلة في نطاق التكليف .. بمعنى أن الله سبحانه و تعالى يكلف عباده بالمحافطة على هذه الكتب ..
ماذا حدث عندما كلف الله عباده بالمحافظة على هذه الكتب ؟
نسوا حظا مما ذكروا به .. أي أنهم نسوا ما ذكرهم الله سبحانه و تعالى به .. و ما لم ينسوه حرفوه .. لووا ألسنتهم به .. و ما لم يلووا ألسنتهم به زادوا عليه و جاءوا بأشياء من عندهم و قالوا إنها من عند الله ليشتروا بها ثمنا قليلا .. إذن فتكليف الله سبحانه و تعالى لعباده أن يحافظوا على الكتب السابقة ، أدخلوا فيها هوى النفس و أخضعوها للتحريف .. لكن عندما أنزل الله سبحانه و تعالى القرآن قال :
" إنا نحن نزلنا الذكر و إنا له لحافظون "
لماذا .. أولا لأن القرآن معجزة .. و كونه معجزة لابد أن يبقى بهذا النص و إلا ضاع الإعجاز .. و ثانيا لأن الله جرب عباده في الحفاظ على الكتب السابقة فلم يحفظوها و حرفوها ..
و هنا نلاحظ شيئا هاما يبين لنا أن معجزة القرآن محفوظة من الله سبحانه و تعالى .. لو أخذنا خطين .. خط تطبيق القرآن و العمل بتعاليمه .. و خط المحافظة على القرآن .. نرى أن تطبيق القرآن و العمل به كلما مر الزمن قل و ضعف .. أما المحافظة على القرآن .. فكلما مر الزمن زاد بشكل عجيب .. حتى أنك ترى القرآن الآن في كل مكتب .. و في السيارات .. و على صدور السيدات .. و في المنازل .. و في كل مكان .. و تجد تجميلا في القرآن من أناس لا يؤمنون به .. فترى رجلا ألمانيا .. مثلا يكتب القرآن كله في صفحة واحدة .. و يخرجه بشكل جميل و هو ربما لم يقرأ القرآن في حياته .. و تجد اليابان مثلا تتفنن في طبع المصاحف الجميلة ، فإذا سألت لماذا لا يفعلون ذلك في الكتب الأخرى ؟ نقول لك أنهم مسخرون لذلك ، لأن الله سبحانه و تعالى هو الذي يحفظ القرآن .. و كل هذا الحفظ الذي تراه هو من عمل الله .. و ليس من عمل الإنسان .. و أنت حينما ترى القرآن في مكتب أو سيارة أو منزل و تسأل صاحب المنزل أو السيارة .. أو المكتب هل تعمل بهذا القرآن ؟ هل تؤدي الصلاة كما يجب ؟ يقول لك لا ؟ إذن لماذا تحتفظ بالقرآن في منزلك دون أن تعمل به ؟ فلا يستطيع أن يجيب و يقول لك إنه بركة ..
و من هنا فإن غفلتنا عن تعاليم القرآن كسلوك في الحياة لا تتمشى مع ازدياد الحفاظ على القرآن الكريم .. أحيانا تجد غير المسلم يحافظ على القرآن و يحمله .. و أحيانا تجد من لا يطبق القرآن يقتني أكبر عدد من المصاحف ..
و من هنا فإن الله سبحانه و تعالى يريد أن يبين لنا أن الذي يحفظ القرآن هو الله .. و إنما كلما نقص خط العمل بالقرآن زاد خط الحفاظ عليه ، لأن العباد هم المكلفون بالعمل .. و لكن الله سبحانه و تعالى هو الذي يحفظه ..