فرق آخر بين معجزة القرآن و المعجزات الأخرى ، هو أنه حدد مصدر العلم البشري .. و روى لنا كيف يتعلم الإنسان .. فقال الله سبحانه و تعالى في كتابه العزيز ..
" وعلم آدم الأسماء كلها "
و من هنا حدد مدخل العلم إلى البشر .. فأنت حين تريد أن تعلم طفلك .. تبدأ بتعليمه الأسماء .. فاللغة هي وسيلة للتفاهم بين البشر .. فهذا الإنسان الذي خلقه الله .. و الذي عمر الأرض .. و أقام كل ما نشاهده من مدنية و حضارة .. كان يجب أن تكون وسيلة للتفاهم بين البشر.. فبدون وسيلة للتفاهم لا يمكن أن تقوم حضارة أو يتم تعايش حقيقي .. أو ينتقل العلم من جيل إلى جيل ليتقدم كل جيل و يأخذ حقه من المعرفة عن الجيل الذي سبقه .. و يضيف إليه .. و كانت هذه الوسيلة هي اللغة أو الكلمة التي تسمعها الآذان و يتكلم بها اللسان .. و إذا ولد الإنسان أصم لا يسمع فإنه لا ينطق .. و أمامنا الأمثلة في العالم أجمع .. على أن أي إنسان لا يسمع لا يستطيع أن ينطق ..
إذن فليست اللغة هي فصيلة دم و لا بيئة .. و لا جنسا .. و لا وراثة .. و لا تعتمد على بشر معين .. و إنما ما نسمعه نتكلم به .. فلو إنني أتيت بإنسان فرنسي أو هولندي .. أو أفريقي .. أو من أي جنسية في العالم .. أتيت به كطفل رضيع .. و تركته في بيئه لا تتكلم إلا اللغة العربية .. فإنه سيتكلم لغة البيئة التي عاشها .. بصرف النظر عن جنسيته .. و لو أنني أتيت بإنسان عربي و وضعته في بيئة لا تتكلم العربية لصعب عليه بعد ذلك أن يتحدث باللغة العربية ..
إذن ما تسمعه الأذن يحكيه اللسان .. فلا جدوى إلى النطق بألفاظ إلا إذا كانت معانيها قد شرحت أولا و الأصل أن يوجد الشئ ثم يوضع له إسم .. فأنت مثلا لا يمكن أن تطلق لفظ كوب إلا إذا وجد الكوب اولا .. و إلا فالكلمة ليس لها معنى ..
نعود إلى معجزة القرآن .. و القرآن كلام الله .. و الكلام هو أساس الحضارة .. و أساس العلم الذي نزل من الله إلى الإنسان .. فالله سبحانه و تعالى يقول في كتابه العزيز:
" و علم آدم الأسماء كلها"
و نحن الآن حين نريد أن نعلم طفلا أن يتكلم فلابد أن نعلمه الأسماء أولا .. و لا نبدأ بأن نعلمه الأحداث .. بل نبدأ و نقول له هذا قلم .. و هذه كراسة .. و هذا أسد .. و هذا كوب .. و هذا طعام .. و هذا طريق .. و هذا نور .. و هذا ظلام ..
إذن نحن نعلمه الأسماء أولا .. فإذا ماتعلم الأسماء أصبح يستطيع بعد ذلك أن يتعلم و أن يتكلم ذلك أننا لا نعلم الطفل الأسماء في المدرسة فقط .. بل نحن نعلمه بالفطرة .. الطفل المتعلم و الجاهل يتعلم الأسماء .. فالأم تعلم الطفل الذي لا يذهب إلى المدرسة .. و المدرسة تعلم الطفل الذي يذهب إلى المدرسة .. و لكن الاثنين لكي يستطيعوا التفاهم في الحياة يجب أن يتعلما الأسماء أولا .. فنجد ان الطفل الجاهل و المتعلم يعلم معنى الأسماء .. فهو يعلم معنى كلمة طريق .. أو كوب .. أو أسد .. أو نعامة أو إلى آخره .. لا فرق بين جاهل و متعلم .. لأن هذا هو مدخل التفاهم بين البشر .. و أساس هذا التفاهم كما وضعه الله سبحانه و تعالى حين " علم آدم الأسماء" .. فأصبحت هي الأساس في العالم أجمع .. و الآن بعد أربعة عشر قرنا نجد أن أساس العلم في الدول المتقدمة .. و الدول غير المتقدمة هو الأسماء .. بل أن الدول المتقدمة لسرعة تعليم الأسماء باعتبارها أساس التفاهم في الحياة .. تأتي بصور لتعلم الأطفال الأسماء دون أن تضيع الوقت بتعليم الحروف الأبجدية .. و يستطيع الطفل أن يتعلم أي شئ آخر بعد ذلك ..