و لكننا أحيانا نتجاوز موضوع العلم.. و موضوع التجربة و المعمل.. و ذلك عندما أقول مثلا الروح قبل المادة.. أو المادة قبل الروح.. فهذا بحث في عنصري تكوين الإنسان الذي لم نشهد خلقه.. و لا نستطيع أن نجري عليه تجربة.. إن هذا في علم الله.. فهو الذي خلق.. و هو الذي يستطيع أن يقول لنا كيف تم الخلق.. و لذلك يقول الله سبحانه و تعالى:
(ما أشهدتهم خلق السموات و الأرض و لا خلق أنفسهم)
إذن فهذه مسألة لا يمكن أن يصل العلم البشري فيها إلى نتيجة.. لماذا؟ لأننا لم نحضر التجربة.. و لم نرها بالعين.. و لا نستطيع أن نجربها أو أن نقوم بها.. و لكن بالأذن سمعنا عن الله.. وهذا أمر غيبي عنا.. و مادام الأمر غيبيا عنا.. فإن الله الذي خلقني هو الذي يحدثني.. كيف خلقت.. أما أنا فلا أعرف كيف خلقت.. و من هنا فإنني لا يمكن أن أتحدث علميا عن العنصريين اللذين يتكون منهما الإنسان.. و أيهما جاء أولا.. و إذا صمم أحد على أن يبحث في هذا.. يكون قد شغل نفسه بعلم لا ينفعه عن جهل لا يضره.. لأنه لن يستطيع أن يدلل على ما يقول علميا..و بالتجربة أنا استطيع أن أمسك المادة و أدخلها المعمل..
و العلم يجب أن يتم على مادة صماء.. يمكن أن تدخل المعمل الأصم.. و تعطي حقائق صماء.. أليست هذه هي الحقيقة.. و الدليل على ذلك أن المعسكرات المتصارعة لا تختلف في مذاهب العلم.. و لكنها تختلف في مذاهب الهوى و النظريات.. لا توجد كهرباء أمريكية.. و كهرباء روسية.. ولا نوجد كيمياء ألمانية, و لا كيمياء إنجليزية.. و كل علم الكيمياء.. في أي دولة من دول العالم خاضع لما تعطيه التجربة الصماء التي لا هوى لها.. و بهذا تكون النتيجة و احدة.. سواء كان المعمل انجليزيا أو أمريكيا.. أو سوفيتيا.. أو أي معمل من معامل الدنيا..
و لكن الخلاف يحدث عندما تتدخل مذاهب الهوى و النظريات.. فإذا جئنا إلى مذاهب الهوى.. هوى النفس.. نجد أنها متناقضة.. ليست مختلفة و لكنها متناقضة..هذا على النقيض من ذلك.. رأسمالية و شيوعية.. إيمان و إلحاد.. وإنكار للديانات لماذا؟ لأن هو النفس دخل هنا فأفسد القضية العلمية و أضاع حقائقها..