و لقد ألف شيخنا تفسيره في فترة كان فيها الاستعمار, و كان الجهل, و كان الفقر, و رأى الشيخ أن الجماهير المتدينة في حاجة إلى الإصلاح, و إلى تقبله بسرعة و عن اقتناع, و رأى أن الدين هو الطريق الوحيد فسلك هذه الطريق..
و رأى الشيخ تفرق المسلمين, و رأى لهذا التفرق أسبابه, و من أهمها الجهل بالدين, و بمدى صلته بالحياة و ارتباطه بها...
و رأى الشيخ أن خير طريق لتوحيد المسلمين و تحقيق الإصلاح المنشود هو التوعية الدينية عن طريق العلم, أو التوعية العلمية عن طريق الدين, و صار في هذه الطريق بإصرار عجيب و عزيمة غريبة.
و حركة إصلاحية علمية كالتي قام بها الشيخ طنطاوي في تفسيره لا تخلو من الأخطاء. و لقد تعرض الشيخ في تفسيره للنقد بحق و بغير حق, و اضطر في كثير من المواطن إلى الرد الثائر و التنديد بمن ينتقدونه, و يرون أن منهجه في التفسير ليس هو المنهج الملائم.
ومما لا شك فيه أن نية الشيخ في التفسير إنما هي نيسة الرجل المحب لوطنه(و وطنه هو العالم الإسلامي كله) و الذي يرى أن هذه الوطن في حاجة إلى التعرف على العلوم الكونية و العلوم التربوية و آراء الغربيين في كثير من هذه النواحي, فاستفاض فيها استفاضة خرجت عن الأسلوي الذي تعوده الناس في التفسير, حتى لقد وصفه بعض بأنه كتاب طبيعة و كيمياء و فلك و تربية أكثر مما هو متاب تفسير. و من أجل ذلك منعت بعض الدول دخوله في بلادها و نقده كثير من العلماء.
و ما من شك في أن المؤلف قد استطرد استطرادات كثيرة في موضع متعددة لا تمت بصلة إلى التفسير, و أكثر من الحديث عن نفسه فيه جذبا للقراء و ردا على الأعداء, و تلك طريقة غير متعودة في لكتابة..
و مع ذلك فإن كتابه فيه التفسير التقليدي اللطيف: إنه يقسم السورة أقساما, ثم يذكر الآيات التي يشملها القسم المعين, و يفسرها تفسيرا تقليديا مختصرا لطيفا يدل على تمكن و معرفة بفنون التفسير, و ينطلق بعد ذلك في بحوثه المشعبة في شتى المجالات. و لو اقتطع هذا التفسير التقليدي من مؤلفه لجاء تفسيرا لطيفا حافلا يأخذ مكانة عالية بين التفاسير.
كان الشيخ في تفسيره عالما دينيا إلى جانب شغفه بالعلوم الكونية و أفاد في الأولى , كما أفاد في الأخرى.