قيل: الشهور الاثنا عشر كمثل أولاد يعقوب عليه السلام، و شهر رمضان بين الشهور كيوسف بين إخوته، فكما أن يوسف أحب الأولاد إلى يعقوب كذلك رمضان أحب الشهورإلى علام الغيوب.
نكتة حسنة لأمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم: إن كان في يوسف من الحلم والعفو ما غمر جفاءهم حين قال {لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْم}َ [يوسف:92 ]، فذلك شهر رمضان فيه من الرأفة والبركات والنعمة والخيرات، والعِتْق من النَّار، والغُفْران من الملك القهَّار ما يغلب جميع الشهور.
جاء إخوة يوسف معتمدين عليه فيسد الخلل، و إزاحة العلل، بعد أن كانت الخطايا والزلل، فأحسن لهم الإنزال، و أصلح لهم الأحوال، وبلَّغهم غاية الآ لمال، و أطعمهم في الجوع، و أذن لهم في الرجوع، وقال لفتيانه{اجْعَلُوا بَِضاعَتَهُمْ رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا}[ يوسف:62]فسدَّ الواحد خلل أحد عشر، كذلك رمضان واحد والشهور أحد عشر، وفي أعمالنا خَلَلٌ و أيُّ خلل، ويرجو العبد أن يتلافى في شهر رمضان ما فرَّط فيه في سائر الشهور.
كان ليعقوب أحد عشر ولدًا ذكورًا بين يديه حاضرين، ينظر إليهم ويراهم، ويطَّلع على أحوالهم وما يبدو من فِعَالهم، ولم يرتد بصره بشيء من ثيابهم، وارتدَّ بقميص يوسف بصيرًا، وصار بصره منيرًا. فكذلك المذنب إذا شمَّ روائح رمضان، وجلس فيه مع الْمُذَكِّرين، وقرأ القرآن، و صحبهم بشرط الإسلام والإيمان، وترك الغِيبة والبهتان، يصير إن شاء الله مغفورًا له بعد ما كان عاصيًا، وقريبًا بعد ما كان قاصيًا، ينظر بقلبه بعد العمى، ويسعد بقربه بعد البعد، ويقابل بالرحمة و لماغفرة والرضوان.
فاللهَ اللهَ اغتنموا هذه الفضيلة، في هذه الأيام القليلة، تعقبكم النعمة الجزيلة، والدرجة الجليلة، الراحة الطويلة، هذه والله الراحة الوافرة، والمنزلة السائرة، والجنة العلية، والنعمة الهنية، والعيشة الرضية، لا تنال إلا بالوقار، لهذا الشهر الذي عظمه الجبار، وفُِّضلَ به محمدٌ لماختار (3)
===========================
3-بستان العارفين (ص 317 : 319 ) لابن الجوزي، بتصرف.