**************************
اختصاصه بكثير من المستحبات يتأكد فعلها فيه:
**************************
نظرا لما اختص الله عزَّ وجلَّ به هذا الشهر العظيم من الكرامات والبركات والنفحات وتنزل الرَّحَمَات وكثرة التجليات، أكَّد فيه على فعل كثير من المستحبات تعر ًضا لِمِنَن الله في هذا الشهر الكريم، ومن هذه المستحبات التي يتأكد فعلها في رمضان، ويعظم أجرها فيه أكثر مما لو ُأدِّيَتْ في غيره:
- مدارسة القرآن وكثرة تلاوته، خاصةً في الليل، قال تعالى: { ِإنَّ نَاشئَةَ اللَّيْلِ هِيَ َأشدُّ وَطْئًا وَ َأقْوَمُ قِيلا} [المزمل: 6]، و(ناشئة الليل ) : هي تلك النفوس التي يربيها الليل وينشئها على قرآنه , وهي أيضا تلك الواردات الروحانيَّة والخواطر النورانيَّة التي تنكشف في ظلمة الليل -كما يقول الإمام الرازي في تفسيره( 14 )- فتلك النفوس الصادقة التي أنشأتها وهذبتها وربتها أنوار القرآن الليلية (هِيَ َأشدُّ وَطْئًا) , أي:
أعظم ثباتًا وتأثيرًا ,فهي أكثر إدراكًا في وعيها و أكبر نجاحًا في سعيها, (وَ َأقْوَمُ قِيلا ) قد رُزِقَت الإخلاص في القصد، والسداد في القول، والإجابة في الدعاء , كما
جاء في الحديث : « أشراف أمتي : حملة القرآن و أصحاب الليل » (15)، وفي القراءة الصحيحة الأخرى (هي أشد وِطاء ) أي: مُواطأة واتساقًا وتواؤمًا وانسجامًا , وهذا الانسجام كما يحصل بين القلب واللسان والجوارح عند القراءة , فإنه يحصل أيضامن التوافق بين الأمر الشرعي بالقراءة ليلا وبين الأمر الكوني في نزول القرآن ليلا , فكلما كانت قراءة المسلم للقرآن بالليل , زاد اتساقه مع الكون , ويزداد الاتساق ويتضاعف الفضل بقراءته في ليل رمضان , حتى يصل إلى ليلة القدر التي هي أعظم من ألف شهر ( 16 )، وفي الحديث « أن جبريل -عليه السلام- كان يلقى النبي صلى الله
عليه وآله وسلم في كل ليلة من رمضان فيُدارِسه القرآن » (17).
- ختم القرآن، فقد كان من هدي السلف -رضوان الله عليهم- الحرص على ختم القرآن في رمضان؛ تأِسيًا بالنبي صلى الله عليه وآله و سلم، حيث كان من شأنه ذلك، فقد ورد عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: « إنَّ رَُسولَ اللهَِ صلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ وَ َسلَّمَ كَانَ يُعْرَ ُض عَلَيْهِ القُرْآنُ كُلِّ رَمََضانَ مَرَّةً، إلا العَامَ الذِي قُبَِض فِيهِ فَإنَّهُ عُرَِض عَلَيْهِ القُرْآنُ مَرَّتَْين»(18), و ُسئِل النبيُّ صلى الله عليه وآله و سلم: َأيُّ الْعَمَلِ َأحَبُّ إلى الله؟ قال: «الحال المرتحل »، قال: يَا رَُسولَ الله، وَمَا الحال المرتحل؟ قال: «فَتْحُ الْقُرْآنِ وَخَتْمُهُ مِنْ َأوَّلِهِ إلى آخِرِه، وَمِنْ آخِرِه إلى َأوَّلِه، كُلَّمَا حَلَّ ارْتَحَل » (19)،
ومما ورد في حر ص الصحابة على ذلك ما رُوِيَ عن ابن مسعود -ر ضي الله عنه-أنه كان يختم القرآن في ثلاث لا يستعين عليه من النهار إلا باليسير( 20 )، وعن الأسود النخعي أنه كان يختم القرآن في ليلتين في رمضان( 21 )، وكان قتادة يختم القرآن في رمضان في كل ثلاث ليال مرة، فإذا دخل العشر ختم كل ليلة مرة( 22 )، وعن عليِّ الأزديِّ أنه كان يختم القرآن في رمضان كل ليلة( 23 ).
===============================================
(14) مفاتيح الغيب ( 30 / 175 ، 176 )، ط 1 دار الفكر، بيروت، سنة 1401 ه.
(15) أخرجه الطبر ني في المعجم الكبير (12 / 125 )، والبيهقي في شعب الإيمان ( 2/ 556 ).
(16)من مقالة لفضيلة الإمام الدكتور علي جمعة، مفتي الديار الم صرية، بعنوان شهر القرآن وناشئة الليل، نُرش ت بجريدة الأهرام
بتاريخ 15 / 8/ 2009 م.
(17) أخرجه البخاري ط( 1/ 6 رقم 6)، ومسلم ( 4/ 1803 رقم 2308 ).
(18)أخرجه البخاري في خلق أفعال العباد ) ص 74 (، ط 3 مؤ سسة الر سالة، بيروت، سنة 1411 ه، و إ سحاق بن راهويه في
مسنده ) 5/ 6(، ط 1 مكتبة الإيمان، لمادينة لمانورة، سنة 1412 ه.
(19) أخرجه الدارمي في سننه ( 2/ 560 ) ومحمد بن نصر المروزي في قيام رمضان كما في مختصر المقريزي ) ص 146 )، ط الدار الذهبية، القاهرة.
(20)شعب الإيمان ( 2/ 398 ).
(21)أخرجه عبد الرزاق في مصنفه ( 1/ 565 )، ط 2 المكتب الإسلامي، بيروت، سنة 1403 ه.
(22)قيام رمضان، محمد بن نصر المروزي ) ص 145 ).
(23)أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه ( 2/ 386 ).