نظرًا لفضل هذا الشهر العظيم، وعموم الرحمة فيه، وكثرة المنن التي يمنها الله تعالى فيه على عباده، كان حقيقًا بأن يهنِّئ الناسُ بعُضهم بعًضا بقدومه، والتهنئة بالأعياد والشهور والأعوام مشروعة ومندوبٌ إليها، قال تعالى: {قُلْ بِفَضلِ اللَّهِ وَبرَِحْمَتهِ فبَذَِلكَِ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَير مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:58 ]، والتهنئة مَظْهَرٌ من مظاهر الفرح، وجاء في القرآن الكريم تهنئة المؤمنين على ما ينالون من نعيم، وذلك في قوله تعالى: {كُلُوا وَاشربوا هَنِيئًا بما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الطور: 19 ]، وكان النبي صلى الله عليه وآله و سلم يهنِّئ أصحابه بقدوم شهر رمضان، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: كَانَ رَُسولُ اللهِ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَ َسلَّمَ يُبَشَِّر أ ْصحَابَهُ يَقُول: «جَاءَكُمْ رَمََضانُ، َشهْرٌ مُبَارَكٌ » (40).
وقد نص العلماء على استحباب التهنئة بالنعم الدينية إذا تجدَّدَتْ، فقال الحافظ العراقي الشافعي: "تستحب المبادرة لتبشير من تجددت له نعمة ظاهرة أو اندفعت عنه بلية ظاهرة"(41).
وقال ابن حجر الهيثمي: " إنها مشروعة", ثم قال: "ويحتج لعموم التهنئة لما يحدث من نعمة أو يندفع من نقمة بمشروعية سجود الشكر، والتعزية, وبما في الصحيحين عن كعب بن مالك ر ضي الله عنه في ق صة توبته لما تخلف عن غزوة تبوك أنه لما بشر بقبول توبته ومضى إلى النبي صلى الله عليه وآله و سلم قام إليه طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه فهنأه"(42).
وكذلك نقل القليوبي عن ابن حجر أن التهنئة بالأعياد والشهور والأعوام مندوبة(43). قال البيجوري: "وهو المعتمد"( 44).
وقال أبو عبد الله ابن مفلح المقدسي الحنبلي: "تستحب التهنئة بنِعَمٍ دينية تجددت؛ لقصة كعب بن مالك رضي الله عنه، وفي الصحيحين أنه لما أنزل الله: { ِإنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [الفتح: 1] قال أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم: هنيئًا مريئًا "( 45).
وتُسنُّ إجابةُ المهنِّئ تهنئتَه بمثلها أو أحسن منها؛ لقوله تعالى: {وَِ إذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأحْسنَ مِنْهَا َأوْ رُدُّوهَا ِإنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ َشيْءٍ حَِسيبًا}[النساء: 86].
=====================================================
(40)أخرجه النسائي ( 4/ 129 )، و أحمد بن حنبل في مسنده ( 2/ 230 )، و إ سحاق بن راهويه في مسنده ( 1/ 73 ).
( 41) طرح التثريب ( 8/ 69 ).
( 42) مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج ( 1/ 596 )، ط دار الكتب العلمية، وحديث كعب بن مالك أخرجه البخاري
( 1603/4)، ومسلم ( 4/ 2120 ).
( 43) حا شيتا قليوبي وعميرة ( 1/ 359 )، ط دار إحياء الكتب العربية.
( 44) حا شية البيجوري على شرح ابن قا سم الغزي ( 1/ 224 )، ط عيسى الحلبي.
( 45) الآداب الشرعية والمنح المرعية ( 3/ 229)، والحديث أخرجه البخاري ( 4/ 1530 )، ومسلم ( 3/ 1413 ).