خَرَّجَ مسلم في صحيحه من حديث نبيشة الهذلي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أيام منى أيام أكل وشرب وذكر الله عز وجل))، وخرجه أهل السنن والمسانيد من طرق متعددة عن النبي صلى الله عليه وسلم وفي بعضها: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث في أيام منى مناديًا ينادي: لا تصوموا هذه الأيام، فإنها أيام أكل وشرب وذكر الله عز وجل))، وفي رواية للنسائي: ((أيام أكل وشرب وصلاة))، وفي رواية للدارقطني بإسناد فيه ضعف: ((أيام أكل وشرب وبعال))، وفي رواية للإمام أحمد: ((من كان صائمًا فليفطر، فإنها أيام أكل وشرب))، وفي رواية: ((أنها ليست أيام صيام)).
أيام منى هي الأيام المعدودات التي قال الله عز وجل فيها: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} البقرة: 203، وهي ثلاثة أيام بعد يوم النحر وهي أيام التشريق هذا قول ابن عمر وأكثر العلماء، وروي عن ابن عباس وعطاء أنها أربعة أيام: يوم النحر وثلاثة أيام بعده، وسماها عطاء أيام التشريق، والأول أظهر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أيام منى ثلاثة: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ})) خرجه أهل السنن الأربعة من حديث عبد الرحمن بن يعمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا صريح في أنها أيام التشريق، وأفضلها أولها وهو يوم القر؛ لأن أهل منى يستقرون فيه ولا يجوز فيه النفر، وفي حديث عبد الله بن قرط عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((أعظم الأيام عند الله يوم النحر، ثم يوم القر)).
وقد روي عن سعيد بن المسيب: أن يوم الحج الأكبر هو يوم القر -وهو غريب-، ثم يوم النفر الأول وهو أوسطها، ثم يوم النفر الثاني وهو آخرها، قال الله تعالى: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} البقرة: 203، قال كثير من السلف: يريد أن المتعجل والمتأخر يُغْفَر له ويذهب عنه الإثم الذي كان عليه قبل حجه إذا حج فلم يرفث ولم يفسق ورجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه؛ ولهذا قال تعالى: {لِمَنِ اتَّقَى}، فتكون التقوى شرطًا لذهاب الإثم على هذا التقدير، وتصير الآية دالة على ما صرح به قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه))، وقد أمر الله تعالى بذكره في هذه الأيام المعدودات كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنها أيام أكل وشرب وذكر الله عز وجل)).
***************************************
وذكر الله عز وجل المأمور به في أيام التشريق أنواع متعددة
***************************************
منها: ذكر الله عز وجل عقب الصلوات المكتوبات بالتكبير في أدبارها وهو مشروع إلى آخر أيام التشريق عند جمهور العلماء، وقد روي عن عمر وعلي وابن عباس وفيه حديث مرفوع في إسناده ضعف.
ومنها: ذكره بالتسمية والتكبير عند ذبح النسك، فإن وقت ذبح الهدايا والأضاحي يمتد إلى آخر أيام التشريق عند جماعة من العلماء وهو قول الشافعي ورواية عن الإمام أحمد، وفيه حديث مرفوع: ((كل أيام منى ذبح))، وفي إسناده مقال، وأكثر الصحابة على أن الذبح يختص بيومين من أيام التشريق مع يوم النحر وهو المشهور عن أحمد وقول مالك وأبي حنيفة والأكثرين.
ومنها: ذكر الله عز وجل على الأكل والشرب، فإن المشروع في الأكل والشرب أن يسمي الله في أوله ويحمده في آخره، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله عز وجل يرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، ويشرب الشربة فيحمده عليها))، وقد روي: ((أن من سمى على أول طعامه وحمد الله على آخره فقد أدى ثمنه، ولم يسأل بعد عن شكره)).
ومنها: ذكره بالتكبير عند رمي الجمار في أيام التشريق، وهذا يختص به أهل الموسم.
ومنها: ذكر الله تعالى المطلق فإنه يستحب الإكثار منه في أيام التشريق، وقد كان عمر يكبر بمنى في قبته فيسمعه الناس فيكبرون فترتج منى تكبيرًا، وقد قال الله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ * وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} البقرة: 200 - 201.