عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه". أخرجه الخمسة إلا الترمذي.
في هذا الحديث قاعدتان لسلوك المسلم ينبغي أن نتدبرهما فعليهما مدار بناء المجتمع الإسلامي، بل والإنساني.
************
القاعدة الأولى:
************
مجملها: كف الأذى عن الناس، وليس المراد من جملة "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده" تحديد معنى المسلم تحديدا كاشفا لمقوماته ومكوناته، أو تحديد أصل سالإسلام؛ لأنها لم تحو سوى شعبة واحدة من الشعاب العملية للإسلام.
تلك هي: كف الأذى عن الناس، لكنها مع هذا شعبة فرعية تصلح عنوانا ومعيارا يميز الخبيث من الطيب، ويتعرف بها على المسلم الصادق الذي وصفه الحديث بصفة مطردة تقول: إذا رأيتم الرجل يمتنع عن الإضرار بالمسلمين بيده ولسانه كان هو المسلم، وإذا رأيتموه يسعى إلى مضارة المسلمين من بين الناس جميعا، إما بآفات اللسان كالغيبة والشتم والقذف والنميمة واللمز، وإما بيده بضرب، أو اغتصاب حق، أو قتل، أو اطلاع على عورات وإشاعتها، والمشي في المضرات، وأكل الطعام بغير إذن صاحبه، وغير هذا وذاك من أنواع المضارة والإضرار، فإن كان الرجل أو المرأة متصفا أو محترفا لشيء من ذلك فليس من الإسلام في شيء وإن انتسب إلى الإسلام والمسلمين، ذلك أن الذي يكف الأذى عن المسلم بوصف كونه مسلما إنما هو المسلم. هكذا جاء الوصف في قول الله: {رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}. ولا يؤذي المسلم إلا من ليس مسلما في واقعه {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً} {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا}.
ومن هذه الآيات من القرآن الكريم يتضح لنا أن هذه الجملة من الحديث الشريف جاءت ترجمةً لمعاني هذه الآيات وغيرها الداعية لحسن السلوك في المجتمع.
هذا وليس التقيد بالمسلمين مقصودًا به عدم المسالمة مع غيرهم مطلقًا، بل يجب كف الأذى عن كل من يسالم المسلمين ويعايشهم، سواء من أهل الذمة أو المعاهَدين أو المهادَنين أو المستأمنين لكن الحديث الشريف جعل مسالمة المسلمين وكف الأذى عنهم واجبًا أصليًّا على كل مسلم، وكانت مسالمة غير المسلمين واجبة تبعا لهم.
أما المحاربون أعداء المسلمين، فلا يجب كف الأذى عنهم، بل الواجب رد عدوانهم، والخوف من التورط في علاقات معهم قد تضر بالمسلمين، ولا يظن أحد أن هذه القاعدة "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده" هي كل أمر الإسلام وإنما هي -كما تقدم- واحدة من شعبه أو قواعده الواجبة، وكأنها من باب ما لا يتم الشيء إلا به، ومن ثم فلا يركن إلى هذا الحديث بعض أولئك المفرطين في جنب الله، الذين إذا دعوا إلى الصلاة وقيل لهم اركعوا لا يركعون، أو إلى الزكاة وقيل لهم أنفقوا إذا هم يكنزون، ثم يقولون مجاهرين: ما دمنا لا نؤذي أحدا فنحن خير ممن يصلي ومن يزكي، ومن يصوم، وكأنهم يقولون: إن من أحسن المعاملة مع الناس لا ضير عليه إن لم يحسن المعاملة مع الله.
إن هذا ليس مقصودًا من الحديث الشريف ولا يؤدي إليه، لا بالمنطوق ولا بالمفهوم الشرعي.