على أن المعجزة لا تأتي في حرف فقط .. بل تأتي أيضا في مخاطبة القرآن للملكات البشرية المستورة .. الشئ الذي ينبئ عن علم تام بخفايا النفس البشرية .. و ملكاتها التي نعرفها .. و التي نجهلها .. فمثلا عندما أراد الله سبحانه و تعالى أن يمنع المشركين بأن يطوفوا بالبيت الحرام .. ساعة ما يلقى هذا الأمر ، ما الذي يهتز في نفس المسلم الذي يستمع .. أي الملكات تهتز .. ملكة الإقتصاد في النفس .. على أساس أن هؤلاء المشركين يأتون من كل الدول .. المدن .. القرى .. و البلاد المحيطة بمكة .. و هذه لم يصلها الإسلام بعد .. و معنى منعهم من الحضور .. منع الخير الذي يأتي معهم .. فهم يأتون بالبضائع .. و ينفقون .. و يحدثون رواجا اقتصاديا .. هنا تهتز ملكة الإقتصاد في النفس .. و الله سبحانه و تعالى و هو خالق للنفس البشرية .. يعلم هذا .. فعندما تنزل هذه الآية .. لا تقتصر على مخاطبة ناحية افعل و لا تفعل .. كأوامر و نواه .. و طريق و منهج للحياة .. و لكن تتجلى فيها رحمة الله فتخاطب الآية الملكة النفسية التي تتأثر بالاقتصاد .. فعندما يقول الله سبحانه و تعالى:
" إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا "
يخاطب في نفس الآية الملكة الإقتصادية .. و يخاطب الملكة الإقتصادية قبل أن يثار السؤال في أن ذلك سيؤدي إلى ضيق الرزق .. فيقول الله سبحانه و تعالى:
" و إن خفتم عليه فسوف يغنيكم الله من فضله "
نفس الآية .. و المعنى هنا أنه حذار أن تفتنكم الملكة الإقتصادية و الخوف من ضيق الرزق عما أقول لكم في افعل ولا تفعل .. و لا تخافوا من الفقر .. فإن الله سبحانه و تعالى هو الغني الحميد .. و سيغنيكم من فضله ..
إن هذا المعنى .. معنى الملكة الإقتصادية .. و تأثيرها داخل النفس يتكرر الآن في أشياء كثيرة تحدث في الدنيا .. و الله سبحانه و تعالى حين يقول لك افعل كذا .. أو يقول لك لا تتعامل مع كذا .. يأتي بعد ذلك مباشرة السؤال إلى ذهنك .. و الرزق الذي أحصل عليه من هذا التعامل .. من أين آتي به .. و هنا يقول الله سبحانه و تعالى أنني أرزقك من طريقي .. و ما دام الرزق بيدي أنا فإنني سأيسر لك سبيلا آخر للرزق .. و لا تخش الفقر .. و لا تخف من أن رزقك سيناله غيرك ..