" هو .. يطعمني و يسقين "
و الله سبحانه و تعالى في القرآن الكريم يخاطب دائما ملكات النفس البشرية .. و يرد عليها ببلاغة و بدقة متناهيتين .. بحيث تجد أنه عندما تتغير كلمة واحدة من الكلمات .. فإن ذلك لأن الله سبحانه و تعالى يريد أن يعطي معنى جديدا .. أو يفهم شيئا جديدا .. و هذه الدقة الهائلة .. تجدها موجودة بكثرة في القرآن الكريم .. مثلا إبراهيم عليه السلام يقول:
" فإنهم عدو لي إلا رب العالمين الذي خلقني فهو يهدين "
.. هنا نتوقف لنسأل: لماذا لم يقل إبراهيم عليه السلام هو الذي خلقني فهو يهدين .. و قال: الذي خلقني فهو يهدين .. لأن الخلق ليس محتاجا إلى تأكيد .. فليس هناك إنسان مهما كبر و عظم و حكم الدنيا .. يستطيع أن يدعي إنه يخلق إنسانا .. و إلا فسنطلب منه أن يفعل ذلك و سيعجز .. إذن فالخلق لم يدعه أحد .. لذلك فإنه غير محتاج إلى تأكيد .. إنما الهداية هناك مئات الألوف ممن يدعون إنهم يهدون الناس .. بعضهم وضع مناهج مع الدين .. و بعضهم وضع مناهج ضد الدين .. و المهم إنهم جميعا يدعون إنهم يريدون هداية البشر .. و كل إنسان يضع نظاما يخضع لأمره و هواه .. و يدعي أنه للهداية .. و من هنا كان لابد من التأكيد على أن الهدى من الله وحده .. و هكذا نرى أن الضمير هنا كان لابد من وضعه .. و إن الضمير في الجزء الأول من الآية لم يكن هناك حاجة للتذكر به .. فالخلق صفة من صفات الله .. لا ينازعه فيها أحد .. فهو ليس محتاجا إلى تأكيد و إنما الهدى فيه ادعاءات من الناس .. و هنا تأتي كلمة (هو) ضرورة ..
ثم تأتي بعد ذلك في :
" و الذي هو يطعمني و يسقين "
لأن الإنسان يكسب ثمن الطعام و الشراب فهناك ادعاءات كثيرة في الرزق .. و من هنا فإن هذه الإدعاءات محتاجة إلى أن يقول الله سبحانه و تعالى كلمة :
" هو يطعمني و يسقين "
و يقول أيضا :
" و إذا مرضت فهو يشفين "
.. ذلك إننا بين الطبيب و الدواء ننسى إرادة الله سبحانه و تعالى .. ثم يعد ذلك نأتي إلى عدم وجود كلمة هو في قوله تعالى :
" و الذي يميتني ثم يحيين "
و لم يقل : و الذي (هو) يميتني ثم (هو) يحين.
لأنه لا يوجد أحد يستطيع أن ينازع الله في مسألة الموت و الحياة .. و لا يدعيها لنفسه .. و من هنا كان التأكيد غير لازم لمقتضى الحال.
و هكذا نرى في هذه الآيات أن الله سبحانه و تعالى يأتي بالضمير فيضعه مرة .. و يحذفة مرة .. لأن المقام يقتضي ذلك .. و لأن دقة التعبير في القرآن الكريم تجعل الكلمة الواحدة توضع في المكان المناسب لتعبر عن المعنى الدقيق البالغ الدقة .. سواء من ناحية الإضافة أو الحذف .. أو اختيار الكلمات .. و لو إن الله سبحانه و تعالى استخدم كلمة هو في كل الآيات التي ذكرناها .. أو حذف كلمة هو من كل الآيات التي ذكرناها .. لما تنبه لذلك معظم الناس .. لمعنى الحديث على أساس أنه كلام بشر .. و لكنه كلام الله سبحانه و تعالى ..