ننتقل بعد ذلك إلى نقطة ثانية .. في الآية الكريمة ..
"و الذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم"
.. و قوله تعالى ..
" و من يعمل سوءا أو يظلم نفسه"
بعض الناس يتسائل: أليست الفاحشة و السوء هما ظلم النفس .. انهما نفس الشئ .. فالذي يظلم نفسه يقودها إلى العذاب .. و الذي يفعل فاحشة يقود نفسه إلى العذاب .. نفس الشئ .. بل إن بعض الناس يقولون إن العطف هنا غير واجب.
و لكنني أقول لهم أن دقة التعبير .. و دقة اللفظ من دقة القائل .. و الله سبحانه و تعالى يبين لنا اعجاز القرآن .. و يقول لنا أن هناك فارقا بين من يفعل سوءا أو فاحشة .. و من يظلم نفسه .. ما هو هذا الفارق ؟
الذي يفعل سوءا أو فاحشة يفعلها ليحقق لذة عاجلة .. نفس ضعيفة يغلبها الهوى و تخضع لبريق الدنيا .. إنسان شرب الخمر .. حقق لنفسه لذة الخمر .. إنسان زنا .. حقق لنفسه شهوة عاجلة .. إنسان سرق مال غيره .. حقق لنفسه شهوة عاجلة بالتمتع بهذا المال .. هذا هو الإنسان الذي يفعل السوء أو الفاحشة .. أما الإنسان الذي يظلم نفسه فهو إنسان آخر .. إنه يرتكب إثما و لا يستفيد منه .. لا يعطي نفسه شيئا في الدنيا و لا في الآخرة .. حينئذ يكون قد ظلم نفسه .. بمعنى أنه لا أعطاها شيئا عاجلا .. و لا نجاها من عذاب الآخرة ..
و من الناس من يبيع دينه بدنياه .. و منهم من يبيع دينه بدنيا غيره .. الذي يبيع دينه بدنياه يطلب العاجلة .. أما من باع دينه بدنيا غيره .. خاب في الآولى و الآخرة .. هو الذي ظلم نفسه .. و لكن كيف يظلم الإنسان نفسه .. فالإنسان حين يشهد زورا ليؤذي غيره لم يستفد هو شيئا فقد ظلم نفسه .. ارتكب اثما .. شهادة الزور دون أن يحقق نفعا دنيويا .. إذا قبض ثمن شهادة الزور .. يكون قد حقق نفعا دنيويا .. و لكن الذي يظلم نفسه هو الذي يفعل ذلك ليرضي غيره .. و نجد كثيرين في الدنيا مثل هؤلاء.
إنسان يتهم إنسانا آخر بتهمة باطلة .. لا يستفيد هو شيئا .. و يرتكب الإثم ، إذن هو ظلم نفسه .. إنسان يكتب تقريرا كاذبا في إنسان ليمنع ترقية .. أو يتطوع بحديث يختلقه عن شخص ليمنع الخير عنه أو يؤذيه .. أو يشي بشخص كذبا ليدخله السجن .. أو يضعه في الاعتقال .. أو يتجسس على إنسان ليلفق له تهمة لمجرد الانتقام التافه .. كل هؤلاء يظلمون أنفسهم .. إنهم يرتكبون الإثم في الدنيا .. و لا يجعلون له فائدة في دنياهم .. و لا في آخرتهم .. فكأن الذي ظلم نفسه هو الذي جعلها تدخل النار .. هو الذي جعلها ترتكب الاثم .. و في نفس الوقت لم يعطها شيئا على وجه الاطلاق .. فهو ظالم لنفسه في الدنيا .. ظالم لنفسه في الآخرة .. و هنا فرق بين التعبيرين .. و من هنا لا نقول أبدا هذا عطف .. و لا ألفاظ مترادفة بل دقة بالغة في التعبير ..